وإنما أجزأت عنه لأنه نواها ظهراً. فبان أنه (ليس) من شرط صحتها نية الوجوب، وإنما يكفي أن ينويها ظهراً أو عصراً وبطل ما أدعوه.
وجواب آخر يبطل ما اعتمدوا عليه من ذلك. وهو اتفاق الكل على أن الأكوان في الدار المغصوبة ليست هي جميع أجزاء الصلاة وجملتها، وإنما هي ركن من أركان الصلاة. وفي الناس من يقول الصلاة هي التكبير والقراءة، والاسم لها دون القيام، ولا أقل من أن تكون الصلاة جملة الأركان. لأنه لو قام وركع وسجد بعد تكبير وتوجه وقراءة وتشهد، وكل ما هو من أركانها سوى الأكوان لم يجزئه. ولو فعل التكبير والقراءة والذكر الواجب في الصلاة ولم يفعل القيام والركوع والسجود لم يكن مصلياً. فوجب أن تكون الصلاة جملة أجناس أفعال مختلفة، منها الأكوان المتعلقة، نحو صاحب الدار، ومنها وجوب تكبير وقراءة وتشهد وأشياء من أفعال القلوب ليست بغصب لصاحب الدار، ولا منعٍ له من حق، ولا تعلق له في حظر شيء منها والمنع منه. وإذا كان ذلك كذلك صحت نية التقرب والوجوب بفعل جملة الصلاة، وإن كان منها جزء لا يصح التقرب به لو انفرد عن باقيها، وليست نية الوجوب مقصورة على الأكوان دون باقي الأفعال. ولو أفرد الأكوان والقيام والركوع والسجود والجلوس بنية الوجوب دون باقي أبعاض الصلاة لم يجز دون أن ينوي جملتها فريضة لله سبحانه. وإذ كان ذلك كذلك صح وجود نية وجوب جميعها. وإن / ص ٣٢٢ كان فيها جزء لا يصح إفراده بنية الوجوب، والنية غير مقصورة عليه. وأكثر الناس لا يعلم أنه لا يصح التقرب بجملة فعل فيه جزء غير مأمور به، ولا يخطر هذا بباله، بل يتقرب بجملة الصلاة وينويها، فتصح لذلك منه نية الوجوب. هذا على أن العالم منا بأن الأكوان في الدار من جملة الصلاة معصية يجد في نفسه صحة فعل نية وجوب الصلاة،