وقولهم: إنه لا يتأتى من عالم أو عامي نية وجوب الصلاة مع علمه بوقوعها في الغصب باطل. وإذا كان ذلك كذلك بطل ما قالوه من كل وجه صحة الصلاة في الدار المغصوبة.
فصل: ويقال لمن اعتل بهذه العلة من المعتزلة، كيف يسوغ للمرء إدعاء إجماع الأمة على أن من شرط الصلاة المفروضة نية الوجوب، وإنها إن عريت منها فسدت ولم تجز. وأنتم خاصة تزعمون أنه لا يصح من أحدٍ تلبس بفعل تعبد به أن ينويه واجباً، لأنه لا يعلم أنه متعبد به لتجويزه أن يعجز ويخترم قبل امتثاله، وكيف يصح منه أن ينويه، وهو لا يعلم وجوبه عليه، ويجوز أن يكون الله سبحانه غير متعبد به، وإنما لا نأمن عندكم أن يكون واجباً. وهو لو نوى أنه يفعل صلاة لا نأمن أن تكون واجبة لم تجزئه حتى ينويها واجبة، ومحال على أصولكم صحة نية وجوبها قطعاً مع تجويز كونها غير واجبة واخترام المكلف قبل امتثالها. وإذا كان ذلك لم يصح على أصولكم خاصة أن يقال إن من شرط صحة الفرض أن ينويه فرضاً واجباً، وبطل ما أصلتم على أوضاعكم بطلانا بينا.
وهذه الطرق هي التي يصح إبطال اعتلال القوم بها دون ما يظنه أكثر الفقهاء ممن لم يحصل علم هذا الباب.
فإن منهم من توصل من عند نفس إلى القدح في هذه الدلالة بأن قال: إنما لم تبطل الصلاة في الدار المغصوبة، لأجل أن الصلاة منفصلة من الغصب، وهي جنس غيره، لأن الغصب- زعم- متناول لنفس الدار وذوات أبعاضها وأجزائها، والصلاة فعل المصلي وهي أعراض، ومقدورة له وموجودة بذاته فهي لذلك غير المغصوب عليه. فوجب أن لا تكون الصلاة من الغصب في شيء/ ص ٣٢٣ وأن تقع مجزئة وإن فعلت في دار مغصوبة.