المحيط فإذا بالحلم يتحقق، واعثر على البغية وأجد الأمر كما توقعت. وزادت فرحتي بأن وجدت المخطوطة خالية من كل نقص واضحة الخط جدًا، فحمدت الله سبحانه وبدأت أقلب العديد من فهارس المخطوطات لعلي أجد لها شقيقة تؤازرها فلم أعثر حتى الآن على شيء. فباشرت بالنسخ، وشرعت في التحقيق لأخرج هذا السفر النفيس من ضياع دام عشرة قرون، ولا أريد أن أشرح لمطالعه ما لقيته من العناء، وما صرفته من الوقت في تحقيق نصه وإخراجه في هذا الثوب، الذي أرجو أن يرضى عنه طلاب العلم ورواد المعرفة، فمن غير شك سيدرك الناظر فيه ذلك.
وكل ما أريد أن أقوله: إن تحقيق المخطوطات من نسخة وحيدة أمره عظيم وخطره جسيم، ففي تعدد النسخ خير معين على سد الخلل وتدارك النقص والتصحيف، الذي يقع على يد النساخ، فكون النسخة وحيدة يتطلب من المحقق مراجعة المسألة في العديد من الكتب التي استقى منها المصنف مادته العلمية - إن وجدت - ومراجعتها في الكتب التي اعتمدت عليه، وأكثرت من النقل عنه. ولهذا لم يفارقني كتاب إمام الحرمين "تلخيص التقريب" بل صاحبني بابًا بابًا وفصلًا فصلًا. وكذلك كتاب إمام الحرمين "البرهان" وكتاب الغزالي "المستصفى" و"البحر المحيط" للزركشى.
وقد قدمت لهذا الكتاب بدراسة للمؤلف والكتاب لإنارة الطريق وإلقاء الضوء على الكثير مما يتعلق بالكتاب ومؤلفه لمن يريد المطالعة فيه. ومع هذا فإن الكمال لله وحده والنقص من سمات البشر، وما أبريء نفسي عن الخطأ والزلل، وحسبي أنني بذلت قصارى جهدي. وإني لأرجو أن يكون إخواني العلماء وأبنائي طلبة العلم قد وجدوا في صدور هذا الكتاب بغيتهم، سائلًا المولى عز وجل أن يلهمنا السداد والإخلاص في القول والعمل، وأن يكون عملنا في هذا الكتاب لنا ذخرًا، وأن ينفع به كل من طالعه، إنه مولي النعم ودافع النقم، فله الحمد أولًا وأخرًا.