هذا وصف بليغ، وتصوير صادق لعظم المأساة، ولعل فيما حكاه ابن الأثير سلوة لنا عما يقع في هذه الأيام على كثير من المسلمين في شمال العالم وجنوبه من التنكيل بالرجال والنساء والأطفال بأسلوب وحشي يغذيه الحقد على الإسلام وأهله، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وإنا لله وإنا إليه راجعون.
كان من بين الذين ضمتهم بغداد ردهة من الزمن، وكان له حضور متميز في مجالس المناظرات، وتأثير في حركتها العلمية المناظر البارع والأصولي الفذ، جامع شتات علم أصول الفقه، فقد كان له الفضل في جمع شوارد علم أصول الفقه ونوادره، واستوفى مباحثه ومسائله، كما سيظهر لك ذلك جليًا عند ذكر مؤلفاته. فقد كان كل من أتى بعده من الأصوليين عالة عليه، وخاصة من صنف على طريقة المتكلمين، فأكثروا من النقل عنه ومحاكاته في مصنفاته.
منذ أن بدأت النهضة العلمية الحديثة المباركة اشرأبت الأعناق لاستشراف مصنفاته وتاقت النفوس وتمنت العيون أن تكتحل برؤيتها، وخاصة كتابه الموسوم ب"التقريب والارشاد" لما ورد من الثناء عليه من مؤرخي العلوم ومصنفي طبقات الفقهاء وغيرهم.
ومنذ فترة طويلة وأنا أقلب فهارس المخطوطات بحثًا عن الجيد النافع، حتى استوقفني عنوان "التقريب والإرشاد" في فهرس المكتبة الآصفية بالهند ولكنني وجدته منسوبًا للحافظ محمد بن المظفر بن هبة الله بن سرايا المقدسي. فأوهم ذلك أنه كتاب آخر شابه عنوانه عنوان كتاب القاضي الباقلاني، فأسقط في يدي، وتركت الأمر. وبعد أن مضى أكثر من اثني عشر عامًا رجعت الخواطر مرة أخرى فقررت إحضار صورة المخطوط لأقابله بكتاب "تلخيص التقريب" لإمام الحرمين الجويني الذي أقتني مصورًا له. وأعرضه على النقول الكثيرة التي ينسبها إليه الزركشي في بحره