فإذا قالوا: إن اسم الجمع بمثابة من يطلب الدلالة، وكانوا إنما يعدلون من لفظ إلى مثله وما يقوم مقامه فيجب تأمل حال المستدل بذلك وموافقته على الواجب فيه/.
وجميع ما أبطلنا به قولهم بعموم هذه الألفاظ وأسماء الجموع والواحد المعرف من الجنس دليل على فساد دعواهم أن "ما" النافية الداخلة على الاسم المفرد، وليس "لا" العاطف على "ما" و"ليس" موضوع للعموم. وإن القائل إذا قال: ما جاءني أحد، وما جاءني من أحد وما عندي أحد، وما كلمت ولا رأيت أحداً، وليس عندي إنسان ولا حيوان، وما في الدار ديار، وأمثال ذلك وجب عموم النفي بهذه الكلمات، لأن هذه دعوى منهم لا حجة عليها، ولأن أهل اللغة يستحسنون الاستفهام عند ورود هذه الكلمات فيقولون للقائل ما رأيت أحداً من سائر طبقات الناس ومن أصدقائك وغيرهم من العقلاء وغيرهم؟. وما عندك أحد ولا ديار من سائر الناس من أهلك وغيرهم؟، ولو كانت مبنية للعموم لقبح الاستفهام.
ويدل على أنها غير مبنية للعموم حاجة المتكلم إلى تأكيدات متتابعة لها. فيقول ما جاءني واحد من سائر الناس ومن كل قبيل، ولا في الدار ديار من جميع الناس وعلى جميع الوجوه، ولا في الدار أحد من صغير ولا كبير ولا ناطق ولا صامت، ولا عين تطرف، إلى أمثال ذلك فدل هذا على صلاح جميع هذه الألفاظ للبعض تارة وللكل أخرى.