بأن أهل اللغة لا يستعملون الاستثناء في الكلام إلا متصلًا به ومتقدمًا عليه في كلام يكون معه جملة واحدة على ما نبينه من بعد, وأنهم يستقبحون تأخيره عنه ولا يجعلوه مفيدًا, لأن القائل إذا قال: رأيت الناس, ثم قال بعد شهر أو حول إلا زيدًا وغير زيد وسوى زيد لم يفد بقوله إلا وغير وسوى إذا أورده منفصلًا منقطعًا متأخرًا عن الكلام, وما ليس بمفيد من الكلام شيئًا مطرحًا عندهم.
ويدل على ذلك ويبينه اتفاق أهل اللغة على إجرائهم الاستثناء من الكلام مجرى الشرط فيه والتقييد له ومجرى الابتداء والخبر, وقولهم إن ذلك أجمع إذا بتر من الكلام وأخر لم يكن مفيدًا, لأن القائل إذا قال: اضرب زيدًا, ثم قال بعد شهر أو يوم أو حول إذا قام أو إن قام, أو إذا كان قائمًا أو راكبًا لم يكن ذلك مفيدًا شيئًا, وقبح استعماله, وكذلك لو قال أعتق رقبة أو صم شهرين أو أطعم فقيرًا, قال بعد حول مؤمنة ومتتابعين ومسلمًا لم يكن ذلك تقييدًا للكلام ولا مفيدًا, ولا حالًا محل قولهم اعتق رقبة مؤمنة, وصم شهرين متتابعين وأطعم فقيرًا مسلمًا, وكذلك لو قال قائل زيد, ثم قال بعد شهرين, منطلق أو قائم أو قام وانطلق لم يكن ذلك مفيدًا ولا خبر مبتدأ ولو جعل ذلك متصلًا لكان حسنًا مفيدًا, وثبت بذلك ما قلناه.
فصل: فإن قيل: فكيف خفي ما قلتموه على ابن عباس مع علمه وفصله وكون اللغة له طبعًا.
قيل له: عن هذا جوابان:
أحدهما: إن الرواية عنه غير معلومة, ولعلها أن تكون متوهمة عليه أو موضوعة له.