إنه لو جاز استثناء الأكثر لجاز وحسن استثناء جميع ما في اللفظ, وهذا باطل.
لأن استثناء جميعه نقض للكلام ورفع جميع ما فيه, وليس هذه حال استثناء الأكثر, كما أنه ليس ذلك حال استثناء الأقل, ويفسد ذلك أنه قد جاز بإجماع تخصص الأكثر مما دخل تحت اللفظ مما عدا الاستثناء من الأدلة, ولم يجب قياسًا على هذا جواز إخراج جميع ما في اللفظ, كما جاز إخراج أكثره, والعلة في ذلك ما ذكرناه من أن إخراج جميعه نقض للكلام, وليس كذلك تخصص أكثره, فبطل ما قالوه.
فصل: فأما من أجاز ذلك فقد اعتلوا لصحته بأمور باطلة منها: إن الاستثناء بمعنى أدلة التخصيص, فإذا جاز تخصص جاز استثناؤه.
ومنها أيضًا: إذا جاز استثناء الأثل جاز استثناء الأكثر لأنهما جميعًا يرفعان من الخطاب ما لولاه لكان داخلًا فيه, وهذا باطل لأنه إثبات لغة بقياس واستدلال, وقد بينا فيما سلف أن اللغة لا تثبت بمثل هذه الطريقة, وتقصينا القول فيه بما يغني عن الإعادة.
ومن المعتمد عندهم في ذلك دعواهم استعمال أهل اللغة لذلك ووروده في القرآن والشعر.
قالوا: لأن العرب تقول: له علي عشرة إلا ستة وسبعة, وتقول: له علي دينار إلا عشرة دراهم وإلا عشرين درهمًا, وله علي عشرين درهمًا إلا دينارًا, فتستثني الأكثر في مثل هذا ويبقى الأقل.
قالوا: وقد قال الله تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا. نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا} واستثنى النصف وقال: {أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا. أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} ولا فرق بين استثناء النصف وما هو أكثر منه.