لأنه ليس بإجماع من الأمةً. وإنما هو إجماع هذا الفريق منهم المصيبون في القول بوجوب القياس في الأحكام. وصوابهم في ذلك لا يدل على أنهم يصيبون في أنه لا بد من ترك العموم للقياس أوترك القياس للعموم، لأنهم إذا لم يكونوا جميع الأمةً لم يكن إجماعهم حجةً لما نذكره من بعد، فبطل التعلق بخروج هذا القول عن الإجماع.
فإن قال قائل: فما الدليل على تعارض العموم والقياس فيما تقابلا فيه.
قيل له: الذي يدل على ذلك علمنا بأن العموم لو انفرد عن القياس لوجب/ (٤٢٢) إمضاؤه في قدر ما تناوله القياس وغيره مما يلحقه الاسم. وأن القياس لو انفرد عن مقابلة العموم، لموجبه لوجب العمل به فيما تناوله، ووجب إذا اجتمعا جميعًا تقابلهما والرجوع في تعرف حكم ما تناولاه إلى شيء غيرهما، وليس لأحد أن يقول: بل اطرح القياس للعموم، لأن دليله أقوى؛ لأن ذلك بعكس ما يجب، لأن دليل القياس أقوى مما ثبت به القول بالعموم، لأنه ثابت بإجماع الصحابة عندنا جميعًا. وليس العموم على قول أكثر مثبتي القياس ثابتًا بإجماع الصحابةً، بل في القائلين بالقياس من يبطل العموم قي الأحكام. فلا شك في أن ما ثبت به وجوب العلم بالقياس أقوى مما ثبت به القول بالعموم.
وكذلك فليس لأحد أن يقول: إذا كان ما ثبت به القياس إجماع الصحابةً، وهو أقوى مما ثبت به العموم وجب إطراح العموم لأجل القياس، لأن الصحابةً لم تجمع على ثبوت العمل بغير القياس الذي يوجب مستعمله إطراح العموم به. وإنما أجمعوا على وجوب العمل بجملة القياس لا بغير واحد منه نقصد به ترك العموم لأجله.