للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال المؤلف أطال الله بقاءه: زرت قبر يحيى بن زكريا عليهما السلام بقرية يقال لها سبسطية (١) من أعمال نابلس، فلما صليت خرجت إلى ساحة بين يدي الموضع الذي فيه القبر محوط عليها، وإذا باب مردود ففتحته ودخلت، وإذا كنيسة فيها نحو من عشرة شيوخ رؤوسهم مكشوفة كأنها القطن المندوف، وقد استقبلوا الشرق وفي صدورهم عصي في رءوسها عوارض معوجة على قدر صدر رجل، وهم معتمدون عليها، وشيخ بين يديهم يقرأ (٢)، فرأيت منظراً يرق له القلب، وساءني وآسفني إذ لم أر في المسلمين من هو على مثل اجتهادهم. فمضت على ذلك مدة فقال لي يوماً معين الدين أنر (٣) رحمه الله وأنا وهو نسير عند دار الطواويس: اشتهى أنزل أزور المشايخ. قلت: الأمر كذلك. فنزلنا ومشينا إلى منزل عرضي (٤) طويل، فدخلناه وأنا أظن أن ما فيه أحد، وإذا فيه نحو من مائة سجادة وعلى كل سجادة رجل من الصوفية عليهم السكينة، والخشوع عليهم ظاهر. فسرني ما رأيت منهم، وحمدت الله عز وجل، إذ رأيت في المسلمين من هو أكثر اجتهاداً من أولئك القسوس، ولم أكن قبل ذلك رأيت الصوفية في دارهم، ولا عرفت طريقهم.

ويقال «يوم أطول من ظل القناة، وأحر من دمع المقلات» قال عبد اللّه ابن الدمينة (٥):

ويوم كظلِّ الرمح قصَّر طوله … دمُ الزّقّ عنا واصطفاق المزاهر (٦)


(١) سبسطية كأحمدية: بلد من عمل نابلس، فيه قبر زكريا ويحيى عليهما السلام. وضبطه ياقوت بفتح أوله وثانيه وتسكين ثالثه وكسر رابعه وتخفيف خامسه ولم يظهر في الأصل إلا «بطية»، وتصحيحه من خ.
(٢) في الأصل: «ويمتح بين أيديهم بقراء»، والصواب من خ.
(٣) كذا ورد مضبوطا؛ ويضبط أيضا بضم النون. انظر النجوم الزاهرة: ٢٨٦. وكان معين الدين وزيرا لحاكم دمشق شهاب الدين محمود بن تاج الملوك بوري، وتوفى سنة ٥٤٤ كما في النجوم الزاهرة.
(٤) كذا في الأصل وخ. والمراد عريض.
(٥) الصواب يزيد بن الطثرية كما في الحيوان ٦: ١٧٩.
(٦) دم الزق، عنى به الخمر في حمرتها. والمزاهر: جمع مزهر، وهو العود الذي يضرب به.

<<  <  ج: ص:  >  >>