للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد وافياً نشزاً من الأرض عالياً … كأنهما نهدان قاما على صدر (١)

وزعم قوم أن الأهرام قبور ملوك عظام، آثروا أن يتميزوا بها على سائر الملوك بعد مماتهم، كما تميزوا عنهم في حياتهم، وتوخوا أن يبقى ذكرهم بسببها على تطاول الدهور، وتراخي العصور.

ولما وصل الخليفة المأمون إلى مصر (٢) أمر بنقبها، فنقب أحد الهرمين المحاذيين للفسطاط بعد جهد شديد، وعناء طويل، فوجدوا داخله مهاوي ومراقي يهول أمرها، ويعسر السلوك فيها، ووجدوا في أعلاها بيتاً مكعباً، طول كل من أضلاعه نحو من ثمانية أذرع، وفي وسطه حوض رخام مطبق، فلما كشف غطاؤه لم يجدوا فيه غير رمة بالية، قد أتت عليها العصور الخالية، فعند ذلك أمر المأمون بالكف عن نقب ما سواه. ويقال: إن النفقة على نقبه كانت عظيمة، والمئونة شديدة.

ومن الناس من زعم أن هرمس الأول، المدعو بالمثلث بالنبوة والملك والحكمة، وهو الذي يسميه العبرانيون خنوخ بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم عليه السلام - وهو إدريس عليه السلام - استدل من أحوال الكواكب على كون الطوفان يعم الأرض، فأكثر من بنيان الأهرام، وإيداعها الأموال وصحائف العلوم، وما يشفق عليه من الذهاب والدروس، حفظاً لها، واحتياطاً عليها. ويقال: إن الذي بناها ملك اسمه سوريد بن سهلوق بن سرياق. وقال آخرون: إن الذي بنى الهرمين المحاذيين للفسطاط شداد بن عاد، لرؤيا رآها. والقبط تنكر دخول العمالقة بلد مصر،


(١) بعده في بدائع البدائة: «وصنع أبو منصور ظافر الحداد:
تأمل هيئة الهرمين وانظر … وبينهما أبو الهول العجيب
كعماريتين على رحيل … بمحبوبين بينهما رقيب
وفيض البحر بينهما دموع … وصوت الريح بينهما نحيب
وظاهر سجن يوسف مثل صب … تخلف فهو محزون كئيب»
(٢) كان ذلك في سنة ٢١٧ كما في كتب التاريخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>