للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيهم بالفطرة قوة عليه وتلطف فيه وهداية إليه، لما في أخلاقهم من الملق والسياسة (١) التي أربوا فيها على كل من تقدم وتأخر، وخصوا بالإفراط فيها دون جميع الأمم، حتى صار أمرهم في ذلك مشهوراً، والمثل بهم مضروباً.

وفي خبثهم ومكرهم يقول أبو نواس (٢):

محضتكم يا أهل مصر نصيحتي … ألا فخذوا من ناصح بنصيب (٣)

رما كم أمير المؤمنين بحية … أكول لحيات البلاد شروب

[ولا تثبوا وثب السفاة فتركبوا … على حد] حامي الظهر غير ركوب (٤)

فإن يك باقي إفك فرعون فيكم … فإن عصا موسى بكف خصيب

وأما حال المنتسبين إلى العلم منهم فأنا ذاكر منها ما وقفت عليه، وكشفت بالمحنة عنه. كنت في أول جلوسي بها شديد العناية بكتب جالينوس وبقراط، باحثاً عن مشكلها، فاحصاً عن مستغلقها، فحرصت كل الحرص، وجهدت كل الجهد على أن أجد من أهل هذه الصناعة من أستفيد منه وأستزيد بمذاكرته وأقدح خاطري بمفاوضته، فلم أجد غير قوم طبع الله على قلوبهم وأعمى أبصارهم، وطمس أفهامهم، وحال بين الحكمة وبينهم، فكانوا وإياي، كما قال الشاعر:

قوم إذا جالستهم … صدئت بقربهم العقول

لا يفهموني قولهم … ويدق عنهم ما أقول

فهم كثير بي كما … أنّى بجمعهم قليل


(١) في الخطط (١: ٤٩): «الملق والبشاعة».
(٢) الأبيات الأربعة في ديوانه (١٠٣ - ١٠٤) يمدح بها الخصيب أمير مصر.
(٣) في الديوان: «منحتكم يا أهل مصر».
(٤) التكملة من الديوان (١٠٣)، وموضعها بياض في الأصل. حامى الظهر: هو البعير الذي حمى ظهره فيترك فلا ينتفع منه بشئ ولا يمنع من ماء ولا مرعى. وفي الأصل:
«مانى الظهر» صوابه من الديوان. والبيت لم يرد في الخطط.

<<  <  ج: ص:  >  >>