للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تخلقوا بكثرة الخلاف، وقلة الإنصاف، ولزموا البهت والمعاندة، والشغب والمكابرة، وجهلهم بصناعة الكتب وخلوهم من أداتها، وعدمهم لعددها وآلاتها، وإهمالهم لشرائطها، وإغفالهم للوازمها، وقصور أذهانهم عن إدراك دقائقها، وبعد عقولهم عن تصور حقائقها، ولم يعلموا أن الطبيب محتاج إلى أشياء تعينه في صناعته، وتفتح له مغالقها، وتوضح مشكلها، وتشرح مشتبهها، وتبين له مستعجمها، وتذيقه برد اليقين (١)، وتجلو عن عين بصيرته ظلم الشكوك والظنون، وهي العلوم الطبيعية التي تعرفه مبادئها وأوائلها، وتعطيه استقصّاتها وعناصرها (٢)، والقوانين القياسية التي تسدد ذهنه نحو الصواب فيما يلتمس علمه، ويتطلب فهمه، وتعرفه كيف يحيل (٣) مطلوباتها إليه، ويبنى قياساته عليها، وكيف يتطرق من جليها إلى خفيها، ويستدل بظاهرها على غائبها، ويأمن الزلل، ووقوع الخطل والخلل، ويحقّق الأسباب والعلل.

ولا بدّ لمن أراد أن يكون طبيباً كاملاً، وحكيماً فاضلاً، من النظر في العلوم الرياضية، ولا سيما النجومية منها والموسيقاوية. وأولى الناس بأن يكون على هذه الصفة أطباء الملك التبعى الألمعى، الذي إنما يستعمل الطبيب والمنجم على جهة الاستظهار، لا على جهة الافتقار والاضطرار. وكيف ونظره الأعلى، وقدحه المعلى، وسهمه الأسد، وباعه الأمد. ومن كان مثله - ولا مثل له في تطبيق المفاصل، وإصابة الشواكل - فخليق به أن يختار، ولا يختار، ويستبد، ولا يستمدّ.


(١) في الأصل: «برد النفس»، والوجه ما أثبت.
(٢) الأستقص، ويقال الأسطقص، هو الشئ البسيط الذي منه يتركب المركب، كالحجارة والقراميد والجذوع التي يتركب منها القصر، وكالحروف التي منها يتركب الكلام، وكالواحد الذي يتركب منه العدد. والأسطقسات الأربعة هي النار والهواء والماء والأرض، انظر مفاتيح العلوم للخوارزمي (٨٢).
(٣) في الأصل: «يحلل».

<<  <  ج: ص:  >  >>