للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هيهات أن يأتي الزمان بمثله … إن الزمان بمثله لبخيل

فلما [لم] يأخذوا نفوسهم بالإتقان لما قد سلف تعديده، بل استطالوه، واستبعدوا الأمد إليه، ورأوا أن غرضهم من صناعة الطب الذي هو عندهم وبحسب رأيهم، التكسب بما يتم لهم بأقرب مما شرطه الأوائل متناولاً، وأسهل مراماً، لم يحفظوا (١) غير أسماء أدوية قليلة العدد يصرفونها في مداواة كل مرض دون إعمال فكرهم في حقيقة نوعه وسببه، ومقتضيه وموجبه.

وقد ذم جالينوس من فرق الطب الثلاث الفرقة الجبلية (٢)، لحذقها جميع لوازم الصناعة الطبية، واقتصارها في المداواة على النظر في المرض، هل من جنس الاستفراغ فيقابل بالإمساك، أو من جنس الإمساك فيقابل بالاستفراغ، دون الفحص عن أمر المزاج والسن والسجية، والبلد والعادة والماهية. فما ظنك بجالينوس لو شاهد هؤلاء الذين لا يثبتون على نحلة، ولا ينتسبون إلى فرقة، فإن برئ على أيديهم عليل فبرؤه على جهة الاتفاق، وإن هلك فبالواجب والاستحقاق، وهم كما قال الشاعر في مثلهم:

وطبيب مجرب ما له بال … نجح في كل ما يجرب عادة

مر يوماً على عليل فقلنا … قر عيناً فقد رزقت الشهادة

وكما قال الآخر في بعض حكمائنا المشهورين عند العوام بالحذق والتقدم:

قل للوبا أنت وابن زهر … قد جزتما الحد والنهاية

ترفقا بالورى قليلاً … في واحد منكما كفاية

أو كما قال بعض أهل العصر أيضاً فيهم:

وطبيب مشعبذ … يمزج الطب بالرّقى


(١) في الأصل: «فلم يحفظوا».
(٢) في الأصل: «الفرق الجبلية».

<<  <  ج: ص:  >  >>