للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألم تبلغك ضربة يزيد بعموده (١)، وخبر خالد بن يزيد في أخدوده؛ والرّاية المعلمة، والآية المحكمة، مسجد مسلمة (٢).

ثم كم قائظة، غائظة، وصائفة، عليكم طائفة. ثم عطفوا مغربين، وللأرض مخربين، فما تركوا من الأعاجم عاجماً، ولا ناجماً، ولا بقوا من البرابر غابراً، ولا عابراً، وساروا قدماً يذبحون البر ذبحاً، ويسبحون البحر سبحاً، حتى طرقكم طارقهم في هذا الطرف، ورشقكم راشقهم في هذا الهدف، واقتحموا عليكم هذه البلاد فأوطئوها، وكأنما رموها بالحجارة فما أخطئوها، فملكوا أرضكم بساحتيها، وأحاطوا بها من ناحيتيها.

وضمّوا جناحيكم إلى القلب ضمة … تموت الخوافي تحتها والقوادم (٣)

فما تعرضك لقومٍ سلكوا بلادكم، واستعبدوا أولادكم. ثم إنهم حين قدروا، غفروا، ووضعوا الإتاوة على جماجم، الأعاجم، والمرسوم في براجم، السلاجم (٤) فلا يحضرون العشّار، إلا بالعثار، ولا يشهدون الأسواق، إلا بالأطواق، فإن


(١) كان يزيد بن معاوية قد حاصر القسطنطينية وهو ولى عهد وذلك في سنة ٤٩ أو ٥٠ وأبلى بلاء حسنا في إغارته. ولعل ذكر «الضربة بالعمود» إشارة إلى حادثة تاريخية معينة في تلك الحرب.
(٢) مسلمة بن عبد الملك ابن مروان بنى مسجد القسطنطينية في أيام أخيه الوليد. وقد اطلعنى الأخ الثقة الدكتور جمال الدين الشيال على نص هام لابن واصل في (مفرج الكروب) الذي يقوم بتحقيقه ونشره: جاء في الورقة ٤٠٢ من مخطوطة باريس رقم ١٧٠٢: «وذكر أن سبب بناية هذا الجامع المذكور، في كتاب تذكرة ابن حمدون، أنه بنى في سنة ست وتسعين للهجرة، ووقع الصلح مع الروم على أن يبنى بالقسطنطينية جامع فبنى، فلما طالت مدته جعلوه حبسا. وقال غيره: إن الصلح تقرر بين المسلمين والروم على أن يبنى جامع على قدر جلد بعير، وتقررت الأيمان على ذلك، فلما استقر الحال عمد المسلمون إلى جلد بعير فقدوه نسورا ومدوها، فأنكر الروم ذلك، فقالوا المسلمون: إن هذا جلد بعير ما زدنا عليه شيئا وقع الاتفاق عليه، فسكتوا. وقيل إن بانيه مسلمة بن عبد الملك بن مروان في أيام أخيه الوليد». وانظر الروضتين لأبى شامة ٢: ١٦٠ والسلوك تحقيق الدكتور زيادة ١: ٤٧٢.
(٣) أصل البيت للمتنبى. ديوانه ٢: ٢٧١. وقد غيره ليتساوق به الكلام. وإنشاده «ضممت جناحيهم على القلب ضمة».
(٤) السلجم: الطويل من الرجال. في الذخيرة: «العلاجم».

<<  <  ج: ص:  >  >>