للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن الطوالع مدبرة مقبلة، وهي أصول فاسدة، وسوق كاسدة. وقال آخرون: هي كالعيافة، والزجر والقيافة. وهذا باب مسلم للعرب لهم فيه اليد الطولى، والمنزلة الأولى، لهم السوانح والبوارح، والقواعد والنواطح (١)، وعندهم الأيامن والأشائم، والأواقى والحواتم، وغير ذلك من التمائم والرتائم، وفيهم من لا يعتمده ولا يرتصده، وفي أشعارهم (٢) شواهد على ذلك. وأما الكهانة فكانت فيهم فاشية، ولهم غاشية، وقد سمعت بشق وسطيح، وزرقاء اليمامة وطليحة الأسدي، ومسيلمة الحنفي، والأسود العنسي، وزهير بن جناب الكلبي، وأفعى نجران، وحازى غطفان (٣) فلما جاءت الديانة، بطلت الكهانة، ولما نزل القرآن، زجر الشيطان.

وكذلك الدرجة الأخرى، فالعرب بها أحق وأحرى، وهي معرفة الشهور والأيام، وحساب الدهور والأعوام، والأفلاك وإدراكها، والأبراج وأدراجها، والنيرات وتعاورها، والدراري وتغاورها (٤)، عرفوا السماء ومعايشها، والأرض وحشائشها، ووصفوا الطوالع والغوارب، ورتبوا الثوابت وأنواءها، والنوائب وأدواءها، والأزمنة وأهواءها، فلا ينجم نجم إلا سمته، ولا ينبت نبت إلا وسمته، ولا عيش في سائر الأقطار، إلا بضامن الأمطار (٥)، كما لا ثبات للحيوان إلا بالنبات، فقد عرفوا إذن طريقي الحياة، ووصفوا فريقي النجاة، وما سوى ذلك فضلٌ، ليس فيه فضل.


(١) جمع قاعد وناطح، ويقال أيضا قعيد ونطيح. فالقعيد: ما أتاك من ورائك من ظبي أو طائر، يتطير منه، بخلاف النطيح.
(٢) في الأصل: «ولا في أشعارهم»، وكلمة «لا» مقحمة. وهذه الجملة ساقطة من الذخيرة.
(٣) الحازى: الكاهن. وفي الأصل: «جازى»، صوابه في الذخيرة. وانظر حواشي الحيوان (٦: ٢٠٤) والبيان (١: ٢٨٩ - ٢٩٠).
(٤) بدله في الذخيرة: «الأعراب أدرى بها».
(٥) الذخيرة: «بعابر الأمطار».

<<  <  ج: ص:  >  >>