وأين تريد؟ وما اسمك؟ ولأي شيء وردت؟ وما معك؟ فيقول:«أنا المنصور، واسمى المبارك، ومن قبل اللّه أقبلت، والملك السعيد أردت، وبالهناء والسلامة وردت، ومعي السنة الجديدة». ثم يجلس ويدخل بعده رجل معه طبق من فضة، وفيه حنطة وشعير وجلبّان، وحمص وسمسم وأرز - من كل واحد سبع سنابل وتسع حبات - وقطعة سكر، ودينار ودرهم جديدان. فيضع الطبق بين يدي الملك، ثم تدخل عليه الهدايا، ويكون أول من يدخل عليه وزيره، ثم صاحب الخراج، ثم صاحب المعونة، ثم الناس على طبقاتهم ومراتبهم، ثم يقدم للملك رغيف كبير مصنوع من تلك الحبوب، موضوع في سلة، فيأكل منه ويطعم من حضره، ثم يقول: هذا يوم جديد، من شهر جديد، من عام جديد، من زمان جديد، يحتاج أن نجدد فيه ما أخلق من الزمان، وأحق الناس بالفضل والإحسان الرأس لفضله على سائر الأعضاء. ثم يخلع على وجوه دولته، ويصلهم ويفرق فيهم ما حمل إليه من الهدايا.
وقد وضّح الجاحظ السنّة في الهدايا التي تقدم إلى الملوك في النيروز والمهرجان قال (١): «والسنة في ذلك عندهم أن يهدى الرجل ما يحب من ملكه إذا كان في الطبقة العالية، فإن كان يحب مسكا أهدى مسكا لا غيره، وإن كان يحب العنبر أهدى عنبرا، وإن كان صاحب بزة ولبسة أهدى كسوة وثيابا، وإن كان الرجل من الشجعاء والفرسان فالسّنّة أن يهدى نشّابا، وإن كان من أصحاب الأموال فالسنة أن يهدى ذهبا أو فضة … وكان يهدى الشاعر الشعر، والخطيب الخطبة، والنديم التحفة والطرفة والباكورة من الخضراوات. وعلى خاصة نساء الملك وجواريه أن يهدين إلى الملك ما يؤثرنه ويفضلنه، كما قدمنا في الرجال. غير أنه يجب على المرأة من نساء الملك إن كان عندها جارية تعلم أن الملك يهواها ويسرّ بها أن تهديها إليه بأكمل حالاتها، وأفضل زينتها، وأحسن هيآتها».
وكانت هذه الهدايا النيروزية تسجل في ديوان الخاصة، وتكون بمثابة «التأمين» كما نقول في اصطلاحنا العصرى، فإذا ناب صاحب الهدية أمر، أو لزمه حق