للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال البيروني (١): «وكان من آيين الأكاسرة أن يبدأ الملك يوم النيروز فيعلم الناس بالجلوس لهم والإحسان إليهم، وفي اليوم الثاني يجلس لمن هو أرفع مرتبة وهم الدهاقين وأهل البيوتات، وفي اليوم الثالث يجلس لأساورته وعظماء موابذته، وفي اليوم الرابع لأهل بيته وقرابينه (٢) وخاصته، وفي اليوم الخامس لولده وصنائعه، فيصل إلى كل واحد منهم ما استحقه من الرتبة والإكرام، ويستوفى ما استوجبه من المبرة والإنعام. فإذا كان اليوم السادس كان قد فرغ من قضاء حقوقهم فنورز لنفسه، ولم يصل إليه إلا أهل أنسه ومن يصلح لخلوته، وأمر بإحضار ما حصل من الهدايا على مراتب المهدين، فيتأملها ويفرق منها ما شاء، ويودع الخزائن ما شاء.

ويذكر النويري (٣) أنه كان من عادة عوامّ الفرس رفع النار في ليلته، ورش الماء في صبيحته. وفي ذلك يقول المعوج:

كيف ابتهاجك بالنيروز يا سكنى … وكل ما فيه يحكينى وأحكيه

فناره كلهيب النار في كبدي … وماؤه كتوالى عبرتي فيه

ونجد في كتاب التاج للجاحظ بعضا من تقاليد الفرس وصنيعهم في يوم النيروز، قال (٤): «ومن حق الملك هدايا المهرجان والنيروز. والعلة في ذلك أنهما فصلا السنة، فالمهرجان دخول الشتاء وفصل البرد، والنيروز إذن بدخول فصل الحر، إلا أن في النيروز أحوالا ليست في المهرجان، فمنها استقبال السنة، وافتتاح الخراج، وتولية العمال والاستبدال، وضرب الدراهم والدنانير، وتذكية بيوت النيران، وصب الماء، وتقريب القربان، وإشادة البنيان وما أشبه ذلك.

وحكى ابن المقفع (٥)، أنه كان من عادتهم فيه أن يأتي الملك من الليل رجل جميل الوجه قد أرصد لما يفعله، فيقف على الباب حتى يصبح، فإذا أصبح دخل على الملك من غير استئذان، فإذا رآه الملك يقول له: من أنت؟ ومن أين أقبلت؟


(١) الآثار الباقية ٢١٨ - ٢١٩.
(٢) القرابين: جمع قربان، وهو جليس الملك الخاص.
(٣) نهاية الأرب ١: ١٨٦ - ١٨٧. وانظر خطط المقريزي ٢: ٣٩١ وصبح الأعشى ٢: ٤١٩.
(٤) التاج للجاحظ ص ١٤٦.
(٥) نهاية الأرب ١: ١٨٦ وصبح الأعشى ٢: ٤١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>