للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأكثر أشعاره فيه، فلما انتقل الأمر إلى الأفضل تعرّض لامتداحه، فلم يقبله ولم يقبل عليه، وكان سبب حرمانه ما سبق لأبي مليح ومراثيه ميتا، لا سيما قوله:

طويت سماء المكرما … تِ وكورت شمسُ المديحِ

ما كان بالنكس الدن … ي من الرجال ولا الشحيح

كفر النصارى بعد ما … عقدوا به دين المسيح

وكفله عز الدولة بن فائق، وقام بحالة إلى أن مات.

ولم يقبل الأفضل على أحد من الشعراء كإقباله على رجل من أهل معرة النعمان (١) يدعى أبا الحسن علي بن جعفر بن النون (٢) فإنه أفاض عليه سحائب إحسانه، وأدر له حلوبة إنعامه، ولقبه بأمين [الملك (٣)] وأدناه واستخلصه، ولم يكن شعره هناك (٤) بل كان متكلفاً متعسفاً، ولست أعرف أحداً من أهل تلك البلاد يروي له بيتاً واحداً فما فوقه، لمنافرة الطباع كلامه، ونبو الأسماع عن طريقته. وقد كان أمره الأفضل يوماً أن يصف مجلساً عبّيت فيه فواكه ورياحين، فقال من مزدوجته (٥) يصف الأترج المصبع:

كأنما أترجه المصبعُ … أيدي جناة من زنود تقطع

فغلط ولم يفطن، وأساء أدبه ولم يشعر؛ لأنه قصد مدح الأترجّ فقذر نفس الملك منه وصرفها عنه، ولو قصد ذمة لما زاد على ما وصف به من الأيدي المقطوعة من زنودها.

والبليغ الحاذق من إذا وصف شيئاً أعطاه حقه، ووفاه شرطه، ووصفه بما


(١) إلى هنا ينتهى السقط الذي نبهت عليه في أول الصفحة السابقة.
(٢) ق: «النوين».
(٣) هذه من ق.
(٤) في الأصل: «هناك بالجيد» صوابه، في ق، وكلمة «بالجيد» مقحمة.
(٥) في الأصل: «مزدوجات» صوابه في ق.

<<  <  ج: ص:  >  >>