للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ورد إلى مصرفى تاسع صفر سنة ١١٦٧ وسكن بخان الصاغة، وأول من عاشره وأخذ عنه السيد على المقدسي الحنفي من علماء مصر، وحضر دروس أشياخ الوقت كالشيخ أحمد الملوى، والجوهري، والحفنى، والبليدى، والصعيدى، والمدابغى وغيرهم، وتلقى عنهم وأجازوه وشهدوا بعلمه وفضله وجود حفظه.

واعتنى بشأنه «كتخدا عزبان (١)». ووالاه بره حتى راج أمره وترونق حاله واشتهر ذكره عند الخاص والعام، ولبس الملابس الفاخرة وركب الخيول المسومة.

وسافر إلى الصعيد ثلاث مرات واجتمع بأكابره وأعيانه وعلمائه، وأكرمه شيخ العرب همام، وإسماعيل أبو عبد اللّه، وأبو علي، وأولاد نصير، وأولاد وافى، وهادوه وبرّوه.

وكذلك ارتحل إلى الجهات البحرية مثل دمياط ورشيد والمنصورة وباقي البنادر العظيمة مرارا حين كانت مزينة بأهلها، عامرة بأكابرها، وأكرمه الجميع، واجتمع بأكابر النواحي وأرباب العلم والسلوك، وتلقى عنهم وأجازوه وأجازهم، وصنف (عدة رحلات) في انتقالاته في البلاد القبلية والبحرية تحتوى على لطائف ومحاورات ومدائح نظما ونثرا لو جمعت مجلدا ضخما، وكناه سيدنا أبو الأنوار بن وفا (بأبى الفيض)، وذلك يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان سنة ١١٨٢ وذلك برحاب ساداتنا بنى الوفا يوم زيارة المولد المعتاد.

ثم تزوج وسكن بعطفة الغسال مع بقاء سكنه بوكالة الصاغة، وشرع في (شرح القاموس) حتى أتمه في عدة سنين نحو أربعة عشر مجلدا سماه «تاج العروس» ولما أكمله (أولم وليمة حافلة) جمع فيها طلاب العلم وأشياخ الوقت بغيط المعدية وذلك في سنة ١١٨١ وأطلعهم عليه واغتبطوا به وشهدوا بفضله وسعة اطلاعه ورسوخه في علم اللغة، وكتبوا عليه تقاريظهم نثرا ونظما».

ثم ساق الجبرتى أسماء هؤلاء المقرظين، وبعض تقاريظهم، ثم قال:

«ولما أنشأ محمد بيك أبو الذهب جامعه المعروف به بالقرب من الأزهر وعمل فيه خزانة للكتب، واشترى جملة من الكتب، ووضعها بها، أنهوا إليه شرح القاموس هذا وعرفوه أنه إذا وضع بالخزانة كمل نظامها، وانفردت بذلك دون غيرها، ورغّبوه في ذلك فطلبه وعوضه عنه مائة ألف درهم فضة، ووضعه فيها.


(١) معنى كتخدا: وزير الأمور الداخلية، كما جاء في تخليص الإبريز لرفاعة الطهطاوي ص ٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>