للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنبأنا أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن عن سحيم بن حفص (١) قال: كان مصعب ابن الزبير لا يصل إلى عائشة إلا بشدة، ولا بقدر عليها إلا ببلاء حتى يخرق ثيابها ويضربها، فشكا ذلك إلى عبد الله بن أبي فروة كاتبه، فقال له: أفتأذن لي في الحيلة؟ قال: نعم، اصنع ما شئت فإنها أفضل ما نلت من الدنيا. فأتاها ليلاً فاستأذن عليها، فقالت له: هذه الساعة! قال: نعم، ففزعت - ومعه أسودان - فقالت له مولاة لها: ما شأنك؟ قال: شؤم مولاتك، قالت: وما لها؟ قال:

أمرني هذا الفاسق الفاجر، أسفك من خلق الله لدم حرام وأقتله للناس، أن أحتفر بئراً وأدفنها فيه حية. وقد والله حرصت أن يعفيني من هذا، فأمر بقتلي. قالت:

فأنظرني أذهب إليه. قال: لا سبيل إلى ذلك، وقال للأسودين: احفرا. فبكت عائشة ورأت الجد، وقالت: يا ابن أبي فروة، إنك لتقتلني! قال: ما منه بد، وإني لأعلم أن الله سيخزيه، ولكنه قد غضب وهو كافر الغضب. قالت:

فأي شيء أغضبه؟ قال: في امتناعك عليه، وقد ظن أنك تبغضينه وأنك تتطلعين إلى غيره، فقد جن. فقالت: أذكرك الله إلا عاودته. قال: أخاف أن يقتلني. فبكت وجواريها فقال: قد رققت وأنا أغرر بنفسي فما أقول؟ قالت:

اضمن عنى أبى لا أعود أبداً (٢). قال: فأعطيني مواثيق. فأعطته، فقال للأسودين: مكانكما. وأتى مصعباً فأخبره، فقال: استوثق منها بالإيمان.

فأتاها فقال: هذا الفاسق قد سكن بعض السكون وسكن شيطانه، فاحلفي لي أن لا تخالفيه، فوثقت له، وصلحت لمصعب.

نجز الكتاب والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


(١) هو أبو اليقظان عامر بن حفص، وسحيم لقبه، وبلقبه هذا يذكره الجاحظ في مواضع كثيرة من البيان، والمدائني في كتبه يذكره بثمانية ألقاب وأسماء. انظر الفهرست ٩٤ ليبسك و ١٤٨ مصر. قال ابن النديم: كان عالما بالأخبار والأنساب والمآثر والمثالب، ثقة فيما يرويه. وتوفى سنة ١٩٠. وانظر الحيوان (٢: ١٥٥ س ٩).
(٢) أي لا تعود إلى ما كان منها من التأبى والنشوز.

<<  <  ج: ص:  >  >>