أَمَّا عِلَاجُ الْمَسْحُورِ فَإِمَّا بِاسْتِخْرَاجِهِ وَتَبْطِيلِهِ كَمَا فِي الْخَبَرِ فَهُوَ كَإِزَالَةِ الْمَادَّةِ الْخَبِيثَةِ بِالِاسْتِفْرَاغِ، وَإِمَّا بِالِاسْتِفْرَاغِ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يَصِلُ إلَيْهِ أَذَى السِّحْرِ، فَإِنَّ لِلسِّحْرِ تَأْثِيرًا عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لَا مُجَرَّدَ خَيَالٍ بَاطِلٍ لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَلِلْمَسْأَلَةِ وَأَحْكَامِ السِّحْرِ وَالسَّاحِرِ مَسَائِلُ مَشْهُورَةٌ لَيْسَ هَذَا مَحَلَّهَا.
وَقَدْ رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ عَلَى رَأْسِهِ بِقَرْنٍ حِينَ طُبَّ» قَالَ أَبُو عَبِيدٍ: مَعْنَى طُبَّ سُحِرَ قَالَ بَعْضُهُمْ: انْتَهَتْ مَادَّةُ هَذَا السِّحْرِ إلَى رَأْسِهِ إلَى إحْدَى قُوَاهُ الَّتِي فِيهِ بِحَيْثُ إنَّهُ كَانَ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَلَمْ يَفْعَلْهُ.
وَالسِّحْرُ مُرَكَّبٌ مِنْ تَأْثِيرَاتِ الْأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ وَانْفِعَالِ الْقُوَى الطَّبِيعِيَّةِ عَنْهُ وَهُوَ سِحْرُ النمريجات وَهُوَ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ السِّحْرِ، فَاسْتِعْمَالُ الْحِجَامَةِ عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي تَضَرَّرَ بِالسِّحْرِ عَلَى مَا يَنْبَغِي مِنْ أَنْفَعِ الْمُعَالَجَةِ.
قَالَ أَبُقْرَاطُ: الْأَشْيَاءُ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تُسْتَفْرَغَ يَجِبُ أَنْ تُسْتَفْرَغَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي هِيَ إلَيْهَا أَمْثَلُ بِالْأَشْيَاءِ الَّتِي تَصْلُحُ لِاسْتِفْرَاغِهَا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَمَّا وَقَعَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا إنَّهُ عَنْ مَادَّةٍ دَمَوِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا مَالَتْ إلَى جِهَةِ الدِّمَاغِ وَغَلَبَتْ عَنْ الْبَطْنِ الْمُقَدَّمِ مِنْهُ فَغَيَّرَتْ مِزَاجَهُ عَنْ طَبِيعَتِهِ وَكَانَ اسْتِعْمَالُ الْحِجَامَةِ حِينَئِذٍ مِنْ أَنْفَعِ الْمُعَالَجَةِ وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْوَحْيِ فَلَمَّا جَاءَهُ الْوَحْيُ أَنَّهُ سُحِرَ عَدَلَ إلَى الْعِلَاجِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ اسْتِخْرَاجُ السِّحْرِ وَإِبْطَالُهُ فَدَعَا اللَّهَ فَأَعْلَمَهُ بِهِ فَاسْتَخْرَجَهُ وَكَانَ غَايَةَ هَذَا السِّحْرِ إنَّمَا هُوَ فِي جَسَدِهِ وَظَاهِرِ جَوَارِحِهِ لَا عَلَى عَقْلِهِ وَقَلْبِهِ وَمَا وَرَدَ مِنْ التَّخَيُّلِ فَهُوَ بِالْبَصَرِ لَا تَخَيُّلٌ يَطْرُقُ إلَى الْعَقْلِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ يَعْتَقِدُ صِحَّةَ مَا يَمِيلُ إلَيْهِ مِنْ إتْيَانِهِ النِّسَاءَ بَلْ يَعْلَمُ أَنَّهُ خَيَالٌ وَقَدْ يَحْدُثُ مِثْلُ هَذَا عَنْ بَعْضِ الْأَمْرَاضِ.
وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يُتَحَصَّنُ بِهِ مِنْ السِّحْرِ وَمِنْ أَنْفَعِ عِلَاجٍ لَهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ التَّوَجُّهُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَتَوَكُّلُ الْقَلْبِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ وَالتَّعَوُّذُ وَالدُّعَاءُ وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ الَّذِي لَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ شَيْئًا قَبْلَهُ بَلْ قَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute