[فَصْلٌ فِي تَفَاوُتِ الْأَجْرِ لِمَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَمَنْ لَا يَشُقُّ]
قَالَ الْخَلَّالُ: كَتَبَ إلَيَّ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْإِسْكَافِ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الرَّجُلِ يَشْرَعُ لَهُ وَجْهُ بِرٍّ، فَيَحْمِلُ نَفْسَهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَآخَرُ يَشْرَعُ لَهُ فَيُسَرُّ بِذَلِكَ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ قَالَ: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، وَهُوَ كَبِيرٌ يَشُقُّ عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ أَجْرَيْنِ» .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَاَلَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ لَهُ أَجْرَانِ» . السَّفَرَةُ الرُّسُلُ لِأَنَّهُمْ يُسْفِرُونَ إلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: الْكَتَبَةُ، وَالْبَرَرَةُ الْمُطِيعُونَ، وَاَلَّذِي يَتَتَعْتَعُ فِيهِ لَهُ أَجْرٌ بِالْقِرَاءَةِ، وَأَجْرٌ بِتَعَبِهِ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ: وَالْمَاهِرُ أَفْضَلُ، وَأَكْثَرُ أَجْرًا فَإِنَّهُ مَعَ السَّفْرَةِ، وَلَهُ أُجُورٌ كَثِيرَةٌ يَذْكُرْ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ لِغَيْرِهِ، وَكَيْف يَلْتَحِقُ بِهِ مَنْ لَمْ يَعْتَنِ بِكِتَابِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَحِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ وَكَثْرَةِ تِلَاوَتِهِ وَدِرَاسَتِهِ كَاعْتِنَائِهِ حَتَّى مَهَرَ فِيهِ، فَظَاهِرُ هَذَا يُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [المائدة: ٥٤] .
وَقَدْ يُقَالُ: مُرَادُ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا اعْتَنَى جُهْدَهُ، وَهُوَ يَشُقُّ عَلَيْهِ، وَمُرَادُ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَغَيْرِهِ إذَا حَصَلَ مِنْهُ تَقْصِيرٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute