[فَصْلٌ فِي إصْلَاحِ اللَّحْنِ الْعَارِضِ لِمَتْنِ الْحَدِيثِ، وَمَتَى يَجُوزُ التَّحْدِيثُ وَمَنْ يُقَدَّمُ]
ُ) قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ: سَمِعْت ابْنَ زَنْجُوَيْهِ يَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ: يَجِيءُ الْحَدِيثُ فِيهِ اللَّحْنُ وَشَيْءٌ فَاحِشٌ، فَتَرَى أَنْ يُغَيِّرَ أَوْ يُحَدِّثَ بِهِ كَمَا سَمِعَ قَالَ: يُغَيِّرُهُ شَدِيدٌ؛ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ لَمْ يَكُونُوا يَلْحَنُونَ، وَإِنَّمَا يَجِيءُ اللَّحْنُ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَيَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْحَدِيثِ أَنْ يُصْلِحَ اللَّحْنَ فِي كِتَابِهِ، ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ، وَكَانَ أَحْمَدُ يَفْعَلُهُ قَالَ: وَيُصْلِحُ الْغَلَطَ الَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ، وَذَكَرَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ. وَالْأَوْلَى لَا يُحَدِّثُ حَتَّى أَنْ يَتِمَّ لَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً، إلَّا أَنْ يُحْتَاجَ إلَيْهِ فَقَدْ حَدَّثَ بُنْدَارٌ وَلَهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَحَدَّثَ الْبُخَارِيُّ وَمَا فِي وَجْهِهِ شَعْرَةٌ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُحَدِّثَ بِحَضْرَةِ مَنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْهُ أَوْ أَعْلَمُ، فَقَدْ كَانَ الشَّعْبِيُّ إذَا حَضَرَ مَعَ إبْرَاهِيمَ لَمْ يَتَكَلَّمْ إبْرَاهِيمُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ مَا لَك لَا تُحَدِّثُ؟ فَقَالَ: أَمَّا وَأَنْتَ حَيٌّ فَلَا وَقَالَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ لَقَدْ كُنْت عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُلَامًا، فَكُنْت أَحْفَظُ عَنْهُ فَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ الْقَوْلِ إلَّا أَنَّ هَهُنَا رِجَالًا هُمْ أَسَنُّ مِنِّي، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِيهِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْحَدَثِ أَنْ يُوَقِّرَ الشُّيُوخَ، وَأَنَّهُ إذَا رُئِيَ عِنْدَهُمْ لَمْ يُزَاحِمْهُمْ بِالرِّوَايَةِ لَهُ، فَإِنَّهُ يَعْرِضُ أَنْ يَعِيشَ بَعْدَهُمْ فَيَرْوِيَ فِي حَالَةِ عَدَمِهِمْ فَيَكُونَ ذَلِكَ فِي مَوْقِعِهِ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُمْ لَمْ تَكُنْ تُغْنِي رِوَايَتُهُ، لِمَا يَعْرِفُهُ الشُّيُوخُ طَائِلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَسَبَقَ هَذَا الْمَعْنَى بِنَحْوِ كُرَّاسَيْنِ فِي فَصْلٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إذَا تَرَكَ الْعَالِمُ لَا أَدْرِي.
وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى الْقَارِئِ الْغَلَطَ الْخَطَأَ كَمَا عَلَيْهِ عَادَةُ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَافِظُ: سَمِعْت أَبَا إِسْحَاقَ الْحَبَّالَ بِمِصْرَ يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا مِثْلُ أَبِي الْقَاسِمِ سَعْدِ بْنِ عَلِيٍّ الزَّنْجَانِيِّ فِي الْفَضْلِ، وَكَانَ يَحْضُرُ مَعَنَا الْمَجَالِسَ وَيُقْرَأُ الْخَطَأُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَا يَرُدُّ عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا، وَلَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute