[فَصْلٌ فِي آدَابِ أَكْلِ التَّمْرِ وَمِنْهَا تَفْتِيشُهُ لِتَنْقِيَتِهِ]
ِ) عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَمْرٍ عَتِيقٍ فَجَعَلَ يُفَتِّشُهُ يُخْرِجُ السُّوسَ مِنْهُ» إسْنَادُهُ ثِقَاتٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: وَرُوِيَ عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّهْيِ عَنْ شَقِّ التَّمْرِ عَمَّا فِي جَوْفِهَا» فَإِنْ صَحَّ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إذَا كَانَ التَّمْرُ جَدِيدًا وَاَلَّذِي رَوَيْنَاهُ فِي الْعَتِيقِ.
وَقَالَ الْآمِدِيُّ وَلَا بَأْسَ بِتَفْتِيشِ التَّمْرِ وَتَنْقِيَتِهِ وَكَلَامُهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مَا فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ الْعَتِيقُ مَعَ أَنَّهُ صَادِقٌ عَلَى مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ مَعَهُ شَرْعًا وَعُرْفًا. وَمِثْلُهُ فِي الْحُكْمِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ فَاكِهَةٍ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ دَلَّ الْخَبَرَانِ الْمَذْكُورَانِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يُتَحَرَّى، وَيُقْصَدُ غَالِبًا بَلْ إنْ ظَهَرَ شَيْءٌ أَوْ ظَنَّهُ أَزَالَهُ، وَإِلَّا بُنِيَ الْأَمْرُ عَلَى الْأَصْلِ وَالسَّلَامَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَضَعَ النَّوَى مَعَ التَّمْرِ عَلَى الطَّبَقِ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيّ وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي آدَابِ الْأَكْلِ: وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ النَّوَى وَالتَّمْرِ فِي طَبَقٍ وَلَا يَجْمَعُهُ فِي كَفِّهِ بَلْ يَضَعُهُ مِنْ فِيهِ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ ثُمَّ يُلْقِيهِ وَكَذَا كُلُّ مَا لَهُ عَجَمٌ وَثُفْلٌ، وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْآمِدِيِّ وَالْعَجَمُ بِالتَّحْرِيكِ النَّوَى وَكُلُّ مَا كَانَ فِي جَوْفِ مَأْكُولٍ كَالزَّبِيبِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَالْوَاحِدَةُ عَجَمَةٌ مِثْلُ قَصَبَةٍ وَقَصَبٍ، يُقَالُ لَيْسَ لِهَذَا الرُّمَّانِ عَجَمٌ قَالَ يَعْقُوبُ وَالْعَامَّةُ يَقُولُونَ عَجْمُ بِالتَّسْكِينِ وَالثُّفْلُ بِضَمِّ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ مَا يَثْقُلُ مَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَقَوْلُهُمْ: تَرَكْتُ بَنِي فُلَانٍ مُثَافِلِينَ أَيْ يَأْكُلُونَ الثُّفْلَ يَعْنُونَ الْحَبَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ لَبَنٌ وَكَانَ طَعَامُهُمْ الْحَبَّ وَذَلِكَ أَشَدُّ مَا يَكُونُ حَالُ الْبَدْوِيِّ. وَهَذَا الْأَدَبُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِسَبَبِ مُبَاشَرَةِ الرُّطُوبَةِ الْمُنْفَصِلَةِ وَالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَكِنَّ الْحُكْمَ لِلشَّرْعِ لَا لِعُرْفٍ حَادِثٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute