للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ]

قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُ كِتَابَةٍ وَعِمَالَةٍ وَجِبَايَةِ خَرَاجٍ وَقِسْمَةِ فَيْءٍ وَغَنِيمَةٍ وَحِفْظِ ذَلِكَ وَنَقْلِهِ إلَّا ضَرُورَةً قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَلَا يَكُونُ بَوَّابًا وَلَا جَلَّادًا وَنَحْوَهُمَا. وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ أَتَّخِذ كَاتِبًا نَصْرَانِيًّا فَانْتَهَرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

وَعَنْ عُمَرَ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: لَا تَرْفَعُوهُمْ إذْ وَضَعَهُمْ اللَّهُ، وَلَا تُعِزُّوهُمْ إذْ أَذَلَّهُمْ اللَّهُ، وَلِأَنَّ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَفْسَدَةِ مَا لَا يَخْفَى وَهِيَ مَا يَلْزَمُ عَادَةً أَوْ مَا يُفْضِي إلَيْهِ مِنْ تَصْدِيرِهِمْ فِي الْمَجَالِسِ، وَالْقِيَامِ لَهُمْ وَجُلُوسِهِمْ فَوْقَ الْمُسْلِمِينَ وَابْتِدَائِهِمْ بِالسَّلَامِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ وَرَدِّهِ عَلَيْهِمْ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَأَكْلِهِمْ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ مَا أَمْكَنَهُمْ لِخِيَانَتِهِمْ وَاعْتِقَادِهِمْ حِلِّهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ إذَا مُنِعَ مِنْ الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ فِي الْجِهَادِ مَعَ حُسْنِ رَأْيِهِمْ فِي الْمُسْلِمِينَ وَالْأَمْنِ مِنْهُمْ وَقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمَجْمُوعِ لَا سِيَّمَا مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِمْ عَلَى قَوْلٍ فَهَذَا فِي مَعْنَاهُ وَأَوْلَى لِلُزُومِهِ وَإِفْضَائِهِ إلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ بِخِلَافِ هَذَا، وَبِهَذَا يَظْهَرُ التَّحْرِيمُ هُنَا وَإِنْ لَمْ تَحْرُمْ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ عَلَى الْقِتَالِ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَّخِذُوا الْكُفَّارَ بِطَانَةً لَهُمْ فَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران: ١١٨] .

وَبِطَانَةُ الرَّجُلِ تَشْبِيهُهُ بِبِطَانَةِ الثَّوْبِ الَّذِي يَلِي بَطْنَهُ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَنْبِطُونَ أَمْرَهُ وَيَطَّلِعُونَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ، وَقَوْلُهُ {مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران: ١١٨] أَيْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>