[فَصْلٌ يَتَعَلَّقُ بِمَا قَبْلَهُ الْحَمِيَّة مِنْ التَّمْر لِلرَّمَدِ]
فَصْلٌ يَتَعَلَّقُ بِمَا قَبْلَهُ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْحِمْيَةِ مِنْ التَّمْرِ لِلرَّمَدِ، وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ «دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ يَدَيْهِ تَمْرٌ يَأْكُلُهُ وَعَلِيٌّ أَرْمَدُ، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ تَشْتَهِي؟ وَرَمَى إلَيْهِ بِتَمْرَةٍ ثُمَّ بِأُخْرَى حَتَّى رَمَى إلَيْهِ سَبْعًا. ثُمَّ قَالَ: حَسْبُكَ يَا عَلِيُّ» وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الطِّبِّ النَّبَوِيِّ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا رَمِدَتْ عَيْنُ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ لَمْ يَأْتِهَا حَتَّى تَبْرَأَ عَيْنُهَا» .
الرَّمَدُ وَرَمٌ حَارٌّ يَعْرِضُ فِي الطَّبَقَةِ الْمُلْتَحِمَةِ مِنْ الْعَيْنِ، وَهُوَ بَيَاضُهَا الظَّاهِرُ، وَسَبَبُهُ انْصِبَابُ أَحَدِ الْأَخْلَاطِ الْأَرْبَعَةِ أَوْ رِيحٌ حَارَّةٌ تَكْثُرُ كَمِّيَّتُهَا فِي الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ فَيَنْبَعِثُ مِنْهَا قِسْطٌ إلَى جَوْهَرِ الْعَيْنِ أَوْ يَضْرِبُهُ نَصِيب الْعَيْنِ فَتُرْسِلُ الطَّبِيعَةُ إلَيْهَا مِنْ الدَّمِ وَالرُّوحِ مِقْدَارًا كَثِيرًا تَرُومُ بِذَلِكَ شِفَاءَهَا مِمَّا عَرَضَ لَهَا؛ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ يَوْرَمُ الْعُضْوُ الْمَضْرُوبُ، وَالْقِيَاسُ يُوجِبُ ضِدَّهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ كَمَا يَرْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ إلَى الْجَوِّ بُخَارَانِ: أَحَدُهُمَا حَارٌّ يَابِسٌ، وَالْآخَرُ حَارٌّ رَطْبٌ فَيَنْعَقِدَانِ سَحَابًا مُتَرَاكِمًا وَيَمْنَعَانِ أَبْصَارَنَا مِنْ إدْرَاكِ السَّمَاءِ فَكَذَلِكَ يَرْتَفِعُ مِنْ قَعْرِ الْمَعِدَةِ إلَى مُنْتَهَاهَا مِثْلُ ذَلِكَ فَيَمْنَعَانِ الْفِكْرَ وَيَتَوَلَّدُ عَنْهُمَا عِلَلٌ شَتَّى، فَإِنْ قَوِيَتْ الطَّبِيعَةُ عَلَى ذَلِكَ وَرَفَعَتْهُ إلَى الْخَوَاشِيمِ أَحْدَثَ الزُّكَامَ، وَإِنْ دَفَعَتْهُ إلَى اللَّهَاةِ وَالْمَنْخَرَيْنِ أَحْدَثَ الْخُنَاقَ، وَإِنْ دَفَعَتْهُ إلَى الْجَنْبِ أَحْدَثَ الشَّوْصَةَ، وَإِنْ دَفَعَتْهُ إلَى الصَّدْرِ أَحْدَثَ النَّزْلَةَ، وَإِنْ انْحَدَرَ إلَى الْقَلْبِ أَحْدَثَ الْخَبْطَةَ، وَإِنْ دَفَعَتْهُ إلَى الْعَيْنِ أَحْدَثَ رَمَدًا، وَإِنْ انْحَدَرَ إلَى الْجَوْفِ أَحْدَثَ السَّيَلَانَ، وَإِنْ دَفَعَتْهُ إلَى مَنَازِلِ الدِّمَاغِ أَحْدَثَ النِّسْيَانَ، وَإِنْ تَرَطَّبَتْ أَوْعِيَةُ الدِّمَاغِ مِنْهُ وَامْتَلَأَتْ بِهِ عُرُوقُهُ أَحْدَثَ النَّوْمَ الشَّدِيدَ، وَلِذَلِكَ كَانَ النَّوْمُ رَطْبًا وَالسَّهَرُ يَابِسًا، وَإِنْ طَلَبَ الْبُخَارُ النُّفُوذَ مِنْ الرَّأْسِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ أَعْقَبَهُ الصُّدَاعُ وَالسَّهَرُ.
وَإِنْ مَال الْبُخَارُ إلَى أَحَدِ شِقَّيْ الرَّأْسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute