للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فِي أَنَّ قَبُولَ التَّوْبَةِ فَضْلٌ مِنْ اللَّهِ]

وَقَبُولُ التَّوْبَةِ بِفَضْلٍ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ رَدُّهَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ: وَأَنَّهُ يَحْسُنُ مِنْهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأَنَّ الْعَقْلَ لَا يَحْكُمُ عَلَى أَفْعَالِهِ وَلَا يُقَبِّحُهَا. قَالَ وَالدَّلَالَةُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ قَبُولِهَا فِي الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ، فَمَتَى قَالَ قَائِلٌ إنَّهُ يَجِبُ ذَلِكَ بِالْوَعْدِ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْعَفْوَ لِأَنَّهُ قَالَ: {وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى: ٢٥] .

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَفْوَ تَفَضُّلٌ كَذَلِكَ التَّوْبَةُ قَبُولُهَا تَفَضُّلٌ. وَلِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ يَجِبُ شُكْرُهُ وَيَسْتَحِقُّ الْعَذَابَ بِكُفْرِهِ، فَلَوْ كَانَ قَبُولُ التَّوْبَةِ وَاجِبًا عَلَيْهِ لَمَا وَجَبَ شُكْرُهُ عَلَى فِعْلِ مَا وَجَبَ كَمَا لَا يَجِبُ شُكْرُ قَاضِي الدَّيْنِ. انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَمَسْأَلَةُ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ وَأَنَّ الْعَقْلَ يُحَسِّنُ وَيُقَبِّحُ قَالَ بِذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَقَالَ هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَعَامَّةِ الْفَلَاسِفَةِ وَقَالَ بِهِ أَيْضًا غَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لَمْ يَقُولُوا بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَشْعَرِيَّةِ. وَالْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ فِي الْأُصُولِ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ: الْعَقْلُ يُحَسِّنُ وَيُقَبِّحُ فَأَوْجَبُوهُ عَقْلًا، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ قَالُوا: لَا يَجِبُ عَقْلًا لَكِنْ كَرَمًا مِنْهُ وَفَضْلًا، وَعَرَفْنَا قَبُولَهَا بِالشَّرْعِ وَالْإِجْمَاعِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَنْ قَالَ مِنْهُمْ: يَجِبُ بِوَعْدِهِ إخْرَاجُ غَيْرِ الْكُفَّارِ مِنْهَا.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>