للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ جُلُوسُ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ فِي الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ وَالتَّصَدِّي لِلتَّدْرِيسِ وَالْفَتْوَى]

فَصْلٌ قَالَ الْقَاضِي: فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: فَأَمَّا جُلُوسُ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ فِي الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ وَالتَّصَدِّي لِلتَّدْرِيسِ وَالْفَتْوَى فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَاجِرٌ مِنْ نَفْسِهِ أَنْ لَا يَتَصَدَّى لِمَا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ إلَى أَنْ قَالَ وَلِلسُّلْطَانِ فِيهِمْ مِنْ النَّظَرِ مَا يُوجِبهُ الِاحْتِيَاطُ مِنْ إنْكَارٍ وَإِقْرَارٍ، وَإِذَا أَرَادَ مَنْ هُوَ لِذَلِكَ أَهْلٌ أَنْ يَتَرَتَّبَ فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ لِتَدْرِيسٍ أَوْ فُتْيَا نُظِرَ فِي حَالِ الْمَسْجِدِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ مَسَاجِدِ الْمَحَالِّ الَّتِي لَا تَتَرَتَّبُ الْأَئِمَّةُ فِيهَا مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ لَمْ يَلْزَمْ مَنْ يَتَرَتَّبُ فِيهَا لِذَلِكَ اسْتِئْذَانُ السُّلْطَانِ فِي جُلُوسِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُ أَنْ يَسْتَأْذِنَ مَنْ يَتَرَتَّبُ فِيهَا لِلْإِمَامَةِ.

وَإِنْ كَانَ مِنْ الْجَوَامِعِ وَكِبَارِ الْمَسَاجِدِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ الْأَئِمَّةُ فِيهَا بِتَقْلِيدِ السُّلْطَانِ رُوعِيَ فِي ذَلِكَ عُرْفُ الْبَلَدِ وَعَادَتُهُ فِي جُلُوسِ أَمْثَالِهِ، فَإِنْ كَانَ لِلسُّلْطَانِ فِي جُلُوسِ مِثْلِهِ نَظَرٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَرَتَّبَ لِلْجُلُوسِ فِيهِ إلَّا عَنْ إذْنِهِ كَمَا لَا يَتَرَتَّبُ لِلْإِمَامَةِ فِيهِ إلَّا عَنْ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ افْتِئَاتٌ عَلَيْهِ فِي وِلَايَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلسُّلْطَانِ فِي مِثْلِهِ نَظَرٌ مَعْهُودٌ لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِئْذَانُهُ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ.

قَالَ الْقَاضِي سَعْدُ الدِّينِ الْحَارِثِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا: وَالصَّحِيحُ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْإِذْنِ؛ لِأَنَّ الطَّاعَاتِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَدَّى إلَى التَّعْطِيلِ وَلِفِعْلِ السَّلَفِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الِافْتِئَاتِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ انْتَهَى كَلَامُهُ.

قَالَ الْقَاضِي: وَيُمْنَعُ النَّاسُ فِي الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ مِنْ اسْتِطْرَاقِ حِلَقِ الْفُقَهَاءِ وَالْقُرَّاءِ صِيَانَةً لِحُرْمَتِهَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا حِمَى إلَّا فِي ثَلَاثَةٍ الْبِئْرِ وَطُولِ الْفَرَسِ وَحَلْقَةِ الْقَوْمِ.» فَأَمَّا الْبِئْرُ فَهِيَ مُنْتَهَى حَرِيمِهَا، وَأَمَّا طُولُ الْفَرَسِ فَهُوَ مَا دَارَ فِيهِ بِمَقُودِهِ إذَا كَانَ مَرْبُوطًا، وَأَمَّا حَلْقَةُ الْقَوْمِ فَهِيَ اسْتِدَارَتُهُمْ فِي الْجُلُوسِ لِلتَّشَاوُرِ وَالْحَدِيثِ. وَهَذَا الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي إسْنَادُهُ جَيِّدٌ مِنْ حَدِيثِ سَعْدٍ الْكَاتِبِ عَنْ بِلَالٍ الْعَنْبَسِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.

وَإِذَا تَنَازَعَ أَهْلُ الْمَذَاهِبِ الْمُخْتَلِفَةِ فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ

<<  <  ج: ص:  >  >>