للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ الْخِلَافُ فِي اسْتِعْمَالِ الْحَرِيرِ بِغَيْرِ اللُّبْسِ]

ذَكَرَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كُلِّ كُتُبِهِ أَنَّ لُبْسَ الْحَرِيرِ وَافْتِرَاشَهُ مُحَرَّمٌ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ وَجِيهُ الدِّينِ بْنُ الْمُنَجَّى فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ الْحَرِيرِ لِبَاسًا وَافْتِرَاشًا قَالَ هَذَا مَعَ كَوْنِهِ هَذَّبَ كَلَامَ أَبِي الْخَطَّابِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَذَا غَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ.

وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ سَتْرَ الْجُدُرِ وَالْحِيطَانِ بِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ السَّاتِرِ فِيهِ الرِّوَايَتَانِ الْمَشْهُورَتَانِ، وَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لِكَوْنِهِ حَرِيرًا وَإِنَّ اسْتِعْمَالَ البقج وَأَكْيَاسِ الْحَرِيرِ الَّتِي تُوضَعُ الْأَثْمَان أَوْ غَيْرُهَا فِيهَا، والبقج الَّتِي تُوضَعُ فِيهَا الثِّيَابُ وَاِتِّخَاذُ مِخَدَّةِ الْحَرِيرِ لِلزِّينَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاسْتِعْمَالُهُ مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ عَلَى ذَلِكَ وَالِاسْتِنَادُ إلَيْهِ وَلَا لُبْسَ لَهُ وَلَا تَدَثُّرَ بِهِ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُحَرَّمً.

وَقَطَعَ الشَّيْخُ وَجِيهُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَالْأَزَجِيُّ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِمَا لَا يُنَقَّى كَالْحَرِيرِ النَّاعِمِ وَظَاهِرُهُ الْقَطْعُ بِجَوَازِ الِاسْتِجْمَارِ بِهِ إذَا نُقِّيَ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ بِالنَّصِّ اللُّبْسُ، وَهَذَا لَيْسَ بِلُبْسٍ بَلْ اسْتِعْمَالٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الِاسْتِعْمَالِ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ وَأَخَفُّ.

وَقَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ «هَذَانِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهَا» لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إضْمَارٍ وَإِضْمَارُ اللُّبْسِ أَوْلَى عَنْ لَفْظِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَبَاحَ لِبَاسَ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ لِلنِّسَاءِ، وَحَرَّمَ ذَلِكَ عَلَى الرِّجَالِ إسْنَادُهُ ثِقَاتٌ.

وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي جُمْلَةِ الْآثَارِ الصِّحَاحِ الْمَرْوِيَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ قَالَ: وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْخِطَابِ لِبَاسُ الْحَرِيرِ وَلِبَاسُ الذَّهَبِ دُونَ الْمِلْكِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفِ وَبِدَلِيلِ سَائِرِ الْأَحَادِيثِ الْمُصَرِّحَةِ بِاللُّبْسِ؛ وَلِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ الْمَعْرُوفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>