[فَصْلٌ فِي اسْتِحْبَابِ إكْرَامِ الْخُبْزِ دُونَ تَقْبِيلِهِ وَشُكْرُ النِّعَمِ]
هَلْ يُسْتَحَبُّ تَقْبِيلُ الْخُبْزِ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَسْأَلَةِ تَقْبِيلِ الْمُصْحَفِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّقْبِيلِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ تَقْبِيلُ الْجَمَادَاتِ، إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ أَنَّهُ هَلْ يُسْتَحَبُّ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْقَبْرِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مُصَافَحَةِ الْحَيِّ صَحَّحَهُمَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَوْ لَا يُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّ مَا طَرِيقُهُ الْقُرْبَةُ يَقِفُ عَلَى التَّوْقِيفِ بِدَلِيلِ قَوْلِ عُمَرَ فِي الْحَجَر الْأَسْوَدِ «لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ» ، وَلَيْسَ فِي هَذَا تَوْقِيفٌ؟ فِيهِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ وَالِدِهِ فِي تَقْبِيلِ الْمُصْحَفِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الشُّكْرِ لَهُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَى كِسْرَةً مُلْقَاةً فَقَالَ «يَا عَائِشَةُ أَحْسَنِي جِوَارَ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْكَ فَإِنَّهَا قَلَّ إنْ نَفَرَتْ عَنْ قَوْمٍ فَكَادَتْ تَرْجِعُ إلَيْهِمْ» وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَلَفْظُهُ فَدَخَلَ عَلَيَّ، فَرَأَى كِسْرَةً مُلْقَاةً فَأَخَذَهَا فَمَسَحَهَا ثُمَّ أَكَلَهَا وَقَالَ «يَا عَائِشَةُ أَكْرَمِي كَرِيمَكَ فَإِنَّهَا مَا نَفَرَتْ عَنْ قَوْمٍ فَعَادَتْ إلَيْهِمْ» فَهَذَا الْخَبَرُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّقْبِيلِ؛ لِأَنَّ هَذَا مَحَلُّهُ كَمَا يُفْعَلُ فِي هَذَا الزَّمَانِ.
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الِاعْتِرَافَ بِالنِّعَمِ وَمَنْ أَنْعَمَ بِهَا وَشُكْرَهُ سَبَبٌ لِبَقَائِهَا وَزِيَادَتِهَا كَمَا قَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: قَيِّدُوا النِّعَمَ بِالشُّكْرِ فَإِنَّهَا كَالنَّعَمِ لَهَا أَوَابِدُ، أَيْ تَشْرُدُ وَتَنْفِرُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ «أَنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ» ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} [البقرة: ١٥٢] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute