[فَصْلٌ فِي الْخُبْزِ وَمَا وَرَدَ فِيهِ وَأَنْوَاعِهِ وَخَوَاصِّهَا]
) وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُ الْأَلْبَانِ فِي فُصُولِ آدَابِ الْأَكْلِ وَذِكْرُ مُفْرَدَاتٍ وَرَدَ فِيهَا شَيْءٌ وَمِنْهَا الْجُبْنُ وَالسَّمْنُ وَالزُّبْدُ. وَأَمَّا ذِكْرُ الْخُبْزِ فَسَبَقَ فِيهِ شَيْءٌ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَكُونُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ نُزُلًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ» عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «كَانَ أَحَبَّ الطَّعَامِ إلَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثَّرِيدُ مِنْ الْخُبْزِ وَالثَّرِيدُ مِنْ الْحَيْسِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَرَوَى أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «وَدِدْتُ أَنَّ عِنْدِي خُبْزَةً بَيْضَاءَ مِنْ بُرَّةٍ سَمْرَاءَ مَقْلِيَّةٍ بِسَمْنٍ وَلَبَنٍ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَاتَّخَذَهُ، فَجَاءَ بِهِ فَقَالَ فِي أَيْ شَيْءٍ كَانَ هَذَا السَّمْنُ؟ فَقَالَ فِي عُكِّ ضَبٍّ قَالَ ارْفَعْهُ،» وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «أَكْرِمُوا الْخُبْزَ وَمِنْ كَرَامَتِهِ أَنْ لَا تَنْتَظِرَ بِهِ الْأُدْمَ» وَلَا يَصِحُّ هَذَا وَأَظُنُّ وَلَا الَّذِي قَبْلَهُ وَقَدْ رُوِيَ ذِكْرُ الْخُبْزِ فِي أَحَادِيثَ.
وَأَحْمَدُ أَنْوَاعِ الْخُبْزِ أَجْوَدُهُ اخْتِمَارًا وَعَجْنًا ثُمَّ خُبْزُ التَّنُّورِ أَجْوَدُ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ خُبْزُ الْفُرْنِ ثُمَّ خُبْزُ الْمَلَّة لِاحْتِرَاقِ ظَاهِرِهِ وَقِلَّةِ نُضْجِ بَاطِنِهِ وَيُسِيءُ الْهَضْمَ. وَأَجْوَدُهُ الْخُبْزُ الَّذِي مِنْ الْحِنْطَةِ الْحَدِيثَةِ يُسْمِنُ بِسُرْعَةٍ، وَأَكْثَرُ أَنْوَاعِهِ تَغْذِيَةً خُبْزُ السَّمِيدِ الْمُتَّخَذِ مِنْ لِبَابِ الْحِنْطَةِ وَأَبْطَؤُهُ هَضْمًا لِقِلَّةِ نُخَالَتِهِ وَلِذَلِكَ يُوَلِّدُ سَدَادًا وَالْقَرِيبُ الْعَهْدِ بِالطَّحْنِ يَحْبِسُ الْبَطْنَ وَالْبَعِيدُ بِالْعَكْسِ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَأَحْمَدُ أَوْقَاتِ أَكْلِهِ فِي آخِرِ الْيَوْمِ الَّذِي خُبِزَ فِيهِ وَاللَّيِّنُ مِنْهُ أَكْثَرُ تَلْيِينًا وَغِذَاءً وَتَرْطِيبًا وَأَسْرَعُ انْحِدَارًا وَالْيَابِسُ بِخِلَافِهِ، وَالْخُبْزُ الْحَارُّ يُعَطِّشُ وَيُصَفِّرُ لِرُطُوبَتِهِ الْبُخَارِيَّةِ وَيُشْبِعُ بِسُرْعَةٍ لِذَلِكَ، وَهُوَ أَسْرَعُ انْهِضَامًا وَأَبْطَأُ انْحِدَارًا وَالْخُبْزُ الْيَابِسُ يَعْقِلُ. وَالْفَطِيرُ إذَا جُعِلَ فِي الْمَاءِ رَسَبَ وَالْمُخْتَمَرُ جِدًّا يَطْفُو وَالْمُتَوَسِّطُ يُتَوَسَّطُ، وَالْفَطِيرُ بَطِيءُ الْهَضْمِ يُوَلَّدُ الرِّيَاحَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute