[فَصْلٌ صِيَانَةُ الْمَسْجِدِ عَنْ اللَّغَطِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ قِيلَ إلَّا بِعِلْمٍ لَا مِرَاءَ فِيهِ]
ِ) وَيُسَنُّ أَنْ يُصَانَ عَنْ لَغَطٍ وَكَثْرَةِ حَدِيثٍ لَاغٍ وَرَفْعِ صَوْتٍ بِمَكْرُوهٍ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ مُبَاحًا، أَوْ مُسْتَحَبًّا وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ يُكْرَهُ إلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ.
قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ مَرَرْت بِأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ مَعَ أَصْحَابِهِ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ فَقُلْتُ يَا أَبَا حَنِيفَةَ هَذَا فِي الْمَسْجِدِ، وَالصَّوْتُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ فِيهِ فَقَالَ: دَعْهُمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَفْقَهُونَ إلَّا بِهَذَا، وَقِيلَ: لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي مَسْجِدِ كَذَا حَلَقَةٌ يَتَنَاظَرُونَ فِي الْفِقْهِ، فَقَالَ: لَهُمْ رَأْسٌ فَقَالُوا: لَا قَالَ: لَا يَفْقَهُونَ أَبَدًا. وَمَذْهَبُ مَالِكٍ كَرَاهَةُ ذَلِكَ قَالَ أَشْهَبُ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ قَالَ: لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ فِي الْعِلْمِ وَلَا فِي غَيْرِهِ وَلَقَدْ أَدْرَكْت النَّاسَ قَدِيمًا يَعِيبُونَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَكُونُ فِي مَجْلِسِهِ وَمَنْ كَانَ يَكُونُ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِهِ كَانَ يَعْتَذِرُ مِنْهُ، وَأَنَا أَكْرَهُ ذَلِكَ وَلَا أَرَى فِيهِ خَيْرًا رَوَى ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.
وَقَالَ صَاحِبُ الشِّفَا الْمَالِكِيُّ قَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ يُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ بِالْعِلْمِ وَغَيْرِهِ وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ رَفْعَ الصَّوْتِ فِيهِ فِي الْعِلْمِ، وَالْخُصُومَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ النَّاسُ لِأَنَّهُ مَجْمَعُهُمْ وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ آخِرَ بَابِ الْجُمُعَةِ وَلَا بَأْسَ بِالْمُنَاظَرَةِ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ، وَالِاجْتِهَادِ فِي الْمَسَاجِدِ إذَا كَانَ الْقَصْدُ طَلَبَ الْحَقِّ فَإِنْ كَانَ مُغَالَبَةً وَمُنَافَرَةً دَخَلَ فِي حَيِّزِ الْمُلَاحَاةِ، وَالْجِدَالِ فِيمَا لَا يَعْنِي وَلَمْ يَجُزْ فِي الْمَسْجِدِ وَأَمَّا الْمُلَاحَاةُ فِي غَيْرِ الْعُلُومِ فَلَا تَجُوزُ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَخَرَجَ لَيُعْلِمَ النَّاسَ فَتَلَاحَى رَجُلَانِ فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute