[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الْكَمْأَةِ]
ِ) عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْكَمْأَةُ مِنْ الْمَنِّ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَفِيهِ مِنْ الْمَنِّ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ، وَغَيْرُهُ: الْكَمْأَةُ جَمْعُ وَاحِدَةٍ كَمْءِ، وَهُوَ خِلَافُ قِيَاسِ الْعَرَبِيَّةِ، فَإِنَّ مَا فُرِّقَ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ وَاحِدِهِ التَّاءُ فَالْوَاحِدُ مِنْهُ بِالتَّاءِ، وَإِذَا حُذِفَتْ كَانَ الْجَمْعُ، وَهَلْ هُوَ جَمْعٌ أَوْ اسْمُ جَمْعٍ؟ فِيهِ قَوْلَانِ، وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ هَذِهِ إلَّا كَمْأَةٌ، وَكَمْءٌ، وَحَبَأَةٌ، وَحَبَءٌ.
وَقَالَ غَيْرُهُمْ: هِيَ عَلَى الْقِيَاسِ الْكَمْأَةُ لِلْوَاحِدِ، وَالْكَمْءُ لِلْكَثْرَةِ، وَقِيلَ: الْكَمْأَة تَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعًا، وَسُمِّيَتْ كَمْأَةً لِاسْتِتَارِهَا، وَمِنْهُ كَمَأَ شَهَادَتَهُ يَكْمَؤُهَا إذَا كَتَمَهَا، وَانْكَمَأَ أَيْ: اسْتَخْفَى، وَتَكَمَّأَ تَغَطَّى، وَالْكَمِيُّ الشُّجَاعُ الْمُتَكَمِّي فِي سِلَاحِهِ؛ لِأَنَّهُ كَمَأَ نَفْسَهُ أَيْ: سَتَرَهَا بِالدِّرْعِ، وَالْبَيْضَةِ، وَالْجَمْعُ الْكُمَاةُ، كَأَنَّهُمْ جَمَعُوا كَامِئٍ، فِي مِثْلِ قَاضٍ، وَقُضَاةٍ قَالَ الشَّاعِرُ:
قَهَرْنَاكُمْ حَتَّى الْكُمَاةَ فَإِنَّكُمْ ... لَتَخْشَوْنَنَا حَتَّى بَنِينَا الْأَصَاغِرَا
وَيُرْوَى حَتَّى الْحُمَاةَ، وَلَا تُزْرَعُ الْكَمْأَةُ، وَمَادَّتُهَا مِنْ جَوْهَرٍ أَرْضِ بُخَارَى يَحْتَقِنُ فِي الْأَرْضِ نَحْوُ سَطْحِهَا يَحْتَقِنُ بِبَرْدِ الشِّتَاءِ، وَتُنَمِّيهِ أَمْطَارُ الرَّبِيعِ فَيَتَوَلَّدُ. وَلِهَذَا يُقَالُ لَهَا: جُدَرِي الْأَرْضِ تَشْبِيهًا بِالْجُدَرِيِّ فِي صُورَتِهِ، وَمَادَّتِهِ؛ لِأَنَّ مَادَّتَهُ رُطُوبَةٌ دَمَوِيَّةٌ يَنْدَفِعُ عِنْدَ سِنِّ التَّرَعْرُعِ فِي الْغَالِبِ، وَفِي ابْتِدَاءِ اسْتِيلَاءِ الْحَرَارَةِ، وَنَمَاءِ الْقُوَّةِ، وَهِيَ مَا تُوجَدُ فِي الرَّبِيعِ، وَتُؤْكَلُ شَيًّا، وَمَطْبُوخًا، وَسَمَّتْهَا نَبَاتَ الرَّعْدِ لِكَثْرَتِهَا بِكَثْرَتِهِ، وَتَنْفَطِرُ عَنْهَا الْأَرْضُ، وَتَكْثُرُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، وَأَجْوَدُهَا مَا كَانَتْ أَرْضُهَا رَمْلَةً قَلِيلَةَ الْمَاءِ، وَمِنْهَا صِنْفٌ قَتَّالٌ يَضْرِبُ لَوْنُهُ إلَى الْحُمْرَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute