[فَصْلٌ فِي وَضْعِ الْعَالِمِ الْمِحْبَرَةَ بَيْن يَدَيْهِ وَجَوَازِ اسْتِمْدَادِ الرَّجُلِ مِنْ مِحْبَرَةِ غَيْرِهِ]
ِ) وَضَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ يَدَيْهِ مِحْبَرَةً فَقِيلَ لَهُ: أَسْتَمِدُّ مِنْهَا فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: قَدْ رُوِيَ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ أَنَّهُ كَانَتْ مَعَهُ مِحْبَرَةٌ فَقَالُوا: نَسْتَمِدُّ مِنْهَا فَقَالَ: إنَّهَا عَارِيَّةٌ. نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ.
وَقَالَ حَرْبٌ قُلْتُ لِإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ يَسْتَمِدُّ الرَّجُلُ مِنْ مِحْبَرَةِ الرَّجُلِ؟ قَالَ: لَا يَسْتَمِدُّ إلَّا بِإِذْنِهِ قَالَ الْخَلَّالُ (كَرَاهِيَةُ أَنْ يَسْتَمِدَّ الرَّجُلُ مِنْ مِحْبَرَةِ الرَّجُلِ إلَّا بِإِذْنِهِ) وَذَكَرَ ذَلِكَ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَعْرُوفُ بِمِرْبَعٍ: كُنْتُ عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَبَيْنَ يَدَيْهِ مِحْبَرَةٌ فَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدِيثًا فَاسْتَأْذَنْتُهُ بِأَنْ أَكْتُبَ مِنْ مِحْبَرَتِهِ، فَقَالَ: اُكْتُبْ يَا هَذَا فَهَذَا وَرَعٌ مُظْلِمٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ طَارِقٍ الْبَغْدَادِيُّ: كُنْتُ جَالِسًا إلَى جَانِبِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَقُلْتُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَسْتَمِدُّ مِنْ مِحْبَرَتِك؟ فَنَظَرَ إلَيَّ وَقَالَ: لَمْ يَبْلُغْ وَرَعِي وَرَعَك هَذَا. وَعَنْ وَكِيعٍ وَجَاءَ إلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: إنِّي أَمُتُّ إلَيْكَ بِحُرْمَةٍ قَالَ: وَمَا حُرْمَتُكَ قَالَ: كُنْتَ تَكْتُبُ مِنْ مِحْبَرَتِي فِي مَجْلِسِ الْأَعْمَشِ، فَوَثَبَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَأَخْرَجَ صُرَّةً فِيهَا دَنَانِيرُ وَقَالَ لَهُ: اُعْذُرْنِي فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ غَيْرَهَا.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى الْأَحْوَلُ جِئْتُ يَوْمًا وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يُمْلِي فَجَلَسْتُ أَكْتُبُ فَاسْتَمْدَيْتُ مِنْ مِحْبَرَةِ إنْسَانٍ فَنَظَرَ إلَيَّ أَحْمَدُ فَقَالَ: يَا يَحْيَى اسْتَأْذَنْتَهُ؟ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: لَزِمْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ سِنِينَ فَكَانَ إذَا خَرَجَ لِيُحَدِّثَنَا يُخْرِجُ مَعَهُ مِحْبَرَةً مُجَلَّدَةً بِجِلْدٍ أَحْمَرَ وَقَلَمًا. فَإِذَا مَرَّ بِهِ سَقْطٌ أَوْ خَطَأٌ فِي كِتَابِهِ أَسْقَطَهُ بِقَلَمِهِ مِنْ مِحْبَرَتِهِ يَتَوَرَّعُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مِحْبَرَةِ أَحَدِنَا شَيْئًا.
وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي بَابِ الْغَصْبِ مِنْ الْفُصُول عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ قَالَ: رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَنْعُ الْكَتْبِ مِنْ مِحْبَرَةِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ لِمَنْ اسْتَأْذَنَهُ هَذَا مِنْ الْوَرَعِ الْمُظْلِمِ. فَحَمَلْنَا الْأَوَّلَ عَلَى كَتْبٍ يَطُولُ. وَالثَّانِي عَلَى غَمْسِهِ قَلَمًا لِكَتْبِ كَلِمَةٍ. أَوْ فِي حَقِّ مَنْ يَنْبَسِطُ إلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute