[فَصْلٌ فِي النَّهْيِ عَنْ تَحِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا هِيَ]
قَالَ أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَبِ مِنْ سُنَنِهِ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأْنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ «عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ كُنَّا نَقُولُ فِي: الْجَاهِلِيَّةِ: أَنْعَمَ اللَّهُ بِكَ عَيْنًا. وَأَنْعَمَ صَاحِبًا فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ نُهِينَا عَنْ ذَلِكَ» قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ مَعْمَرٌ يُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ أَنْعَمَ اللَّهُ بِكَ عَيْنًا، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَيْنَيْكَ. فَهَذِهِ مِنْ أَبِي دَاوُد تَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِهِ لِذَلِكَ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ إمَامِنَا أَحْمَدَ فَاخْتِيَارُهُ يُعَدُّ مِنْ مَذْهَبِهِ كَاخْتِيَارِ غَيْرِهِ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا ذَكَرَ هَذَا غَيْرُهُ إنْ كَانَ ذِكْرُ قَتَادَةَ مَحْفُوظًا فَهُوَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عِمْرَانَ، وَغَيْرِ قَتَادَةَ مَجْهُولٌ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ فِي حَدِيثِ مُطَرِّفٍ: وَلَا تَقُلْ نَعِمَ اللَّهُ بِكَ عَيْنًا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَنْعَمُ بِأَحَدٍ عَيْنًا وَلَكِنْ قُلْ أَنْعَمَ اللَّهُ بِكَ عَيْنًا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ الَّذِي مَنَعَ مِنْهُ مُطَرِّفٌ صَحِيحٌ (فَصِيحٌ) فِي كَلَامِهِمْ، وَعَيْنًا نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ مِنْ الْكَافِ، وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ وَالْمَعْنَى نَعَّمَكَ اللَّهُ عَيْنًا أَيْ نَعَّمَ عَيْنَكَ وَأَقَرَّهَا.
وَقَدْ يَحْذِفُونَ الْجَارَّ وَيُوصِلُونَ الْفِعْلَ فَيَقُولُونَ نَعِمَكَ اللَّهُ عَيْنًا وَأَمَّا أَنْعَمَ اللَّهُ بِكَ عَيْنًا فَالْبَاءُ فِيهِ زَائِدَةٌ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ كَافِيَةٌ فِي التَّعْدِيَةِ تَقُولُ نَعِمَ زَيْدٌ عَيْنًا وَأَنْعَمَهُ اللَّهُ عَيْنًا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَنْعَمَ إذَا دَخَلَ فِي النَّعِيمِ فَيُعَدَّى بِالْبَاءِ (قَالَ) وَلَعَلَّ مُطَرِّفًا خُيِّلَ إلَيْهِ أَنَّ انْتِصَابَ الْمُمَيِّزِ فِي هَذَا الْكَلَامِ عَنْ الْفَاعِلِ فَاسْتَعْظَمَهُ تَعَالَى اللَّهُ أَنْ يُوصَفَ بِالْحَوَاسِّ عُلُوًّا كَبِيرًا كَمَا يَقُولُونَ نَعِمْتُ بِهَذَا الْأَمْرِ عَيْنًا وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ، فَحَسِبَ أَنَّ الْأَمْرَ فِي نَعِمَ اللَّهُ بِكَ عَيْنًا كَذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُهُ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ أَنْعَمَ اللَّهُ صَبَاحَكَ مِنْ النُّعُومَةِ وَأَنْعَمَ اللَّهُ بِكَ عَيْنًا أَيْ أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَكَ بِمَنْ تُحِبُّهُ، وَكَذَلِكَ نَعِمَ اللَّهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute