[فَصْلٌ فِي نَشْرِ السُّنَّةَ بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ بِغَيْرِ خُصُومَةٍ وَلَا عُنْفٍ]
سَأَلَ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَجُلٌ فَقَالَ: أَكُونُ فِي الْمَجْلِسِ فَتُذْكَرُ فِيهِ السُّنَّةُ لَا يَعْرِفهَا غَيْرِي أَفَأَتَكَلَّمُ بِهَا؟ فَقَالَ: أَخْبِرْ بِالسُّنَّةِ، وَلَا تُخَاصِمْ عَلَيْهَا فَعَادَ عَلَيْهِ الْقَوْلَ فَقَالَ: مَا أَرَاك إلَّا رَجُلًا مُخَاصِمًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ كَذَلِكَ، وَهَذَا الْمَعْنَى قَالَهُ مَالِكٌ فَإِنَّهُ أَمَرَ بِالْإِخْبَارِ بِالسُّنَّةِ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ مِنْك فَاسْكُتْ.
وَسَبَقَ فِي فُصُولِ الْكَذِبِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمِرَاءِ وَالْجِدَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَفِي مَسَائِلِ صَالِحِ بْنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَسَأَلْته عَنْ رَجُلٍ يُبْلَى بِأَرْضٍ يُنْكِرُونَ فِيهَا رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ، وَيَنْسُبُونَهُ إلَى الرَّفْضِ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ هَلْ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الرَّفْعِ قَالَ أَبِي: لَا يَتْرُكُ، وَلَكِنْ يُدَارِيهِمْ.
وَقَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: مَا أَغْضَبْتَ رَجُلًا قَطُّ فَسَمِعَ مِنْك.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَنْ وَعَظَ أَخَاهُ سِرًّا فَقَدْ نَصَحَهُ وَزَانَهُ، وَمَنْ وَعَظَهُ عَلَانِيَةً فَقَدْ فَضَحَهُ وَشَانَهُ.
وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ، وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مَنْ وَعَظَ أَخَاهُ بِالْعَلَانِيَةِ فَقَدْ شَانَهُ، وَمَنْ وَعَظَهُ سِرًّا فَقَدْ زَانَهُ. وَلَعَلَّهُ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ قَالَ الْخَلَّالُ: رُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: مَنْ وَعَظَ أَخَاهُ سِرًّا فَقَدْ زَانَهُ، وَمَنْ وَعَظَهُ عَلَانِيَةً فَقَدْ شَانَهُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ تَأْخِيرُ عُثْمَانَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَجَاءَ وَعُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَهُ تَوْبِيخًا وَإِنْكَارًا لِتَوْبِيخِهِ لَا لِتَأْخِيرِهِ إلَى هَذَا الْوَقْتِ، فَفِيهِ تَفَقُّدُ الْإِمَامِ رَعِيَّتَهُ، وَأَمْرُهُمْ بِصَلَاحِ دِينِهِمْ، وَالْإِنْكَارُ عَلَى مُخَالِفِ السُّنَّةِ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرَ الْقَدْرِ.
وَفِيهِ جَوَازُ الْإِنْكَارِ عَلَى الْكِبَارِ فِي مَجْمَعِ النَّاسِ، وَفِي قَوْلِ عُثْمَانَ شُغِلْتُ الْيَوْمَ فَلَمْ أَنْقَلِبْ إلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ النِّدَاءَ، فَلَمْ أَزِدْ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute