للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ الْإِنْكَارُ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي مَوْقِفِ الرِّيبَةِ كَخَلْوَةٍ وَنَحْوِهَا]

فَإِنْ رَأْي رَجُلًا مَعَ امْرَأَةٍ فَهَلْ يَسُوغُ الْإِنْكَارُ؟ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ قَرِينَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْوَاقِفِ، أَوْ قَرِينَةُ زَمَانٍ، أَوْ مَكَان، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ سَاغَ الْإِنْكَارُ، وَإِلَّا فَلَا، وَعَلَى هَذَا كَلَامُ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْقَاضِي قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكَحَّالُ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ: الرَّجُلُ السُّوءُ يُرَى مَعَ الْمَرْأَةِ قَالَ: صِحْ بِهِ.

وَقَالَ أَيْضًا لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: الْغُلَامُ يَرْكَبُ خَلْفَ الْمَرْأَةِ، قَالَ: يُنْهَى، وَيُقَالُ لَهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ: إنَّهَا لَهُ مَحْرَمٌ تَرْجَمَ عَلَيْهِمَا الْخَلَّالُ (بَابُ الرَّجُلِ يَرَى الْمَرْأَةَ مَعَ الرَّجُلِ السُّوءِ وَيَرَاهَا مَعَهُ رَاكِبَةً) وَذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ أَبَا دَاوُد قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، وَقِيلَ لَهُ: امْرَأَةٌ أَرَادَتْ أَنْ تَسْقُطَ عَنْ الدَّابَّةِ يُمْسِكُهَا الرَّجُلُ؟ قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ الْقَاضِي: فَصْلٌ: وَمَنْ عُرِفَ بِالْفِسْقِ مُنِعَ مِنْ الْخَلْوَةِ بِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ لِمَا يَحْصُلُ فِيهِ مِنْ الرِّيبَةِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا» ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ بْنِ يَحْيَى الثَّانِيَةَ انْتَهَى كَلَامُهُ.

قَالَ الْقَاضِي: فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُحْتَسِبِ، وَإِذَا رَأَى وُقُوفَ رَجُلٍ مَعَ امْرَأَةٍ فِي طَرِيقٍ سَالِكٍ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُمَا أَمَارَاتُ الرَّيْبِ لَمْ يَتَعَرَّضْ عَلَيْهِمَا بِزَجْرٍ وَلَا إنْكَارٍ، وَإِنْ كَانَ الْوُقُوفُ فِي طَرِيقٍ خَالٍ فَخَلَوْا بِمَكَانِ رِيبَةٍ فَيُنْكِرُهَا، وَلَا يُعَجِّلْ فِي التَّأْدِيبِ عَلَيْهِمَا حَذَرًا مِنْ أَنْ تَكُونَ ذَاتَ مَحْرَمٍ وَلِيَقُلْ: إنْ كَانَتْ ذَاتَ مَحْرَمٍ فَصُنْهَا عَنْ مَوْقِفِ الرَّيْبِ، وَإِنْ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً فَاحْذَرْ مِنْ خَلْوَةٍ تُؤَدِّيكَ إلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلِيَكُنْ زَجْرُهُ بِحَسَبِ الْأَمَارَاتِ، وَإِذَا رَأَى الْمُحْتَسِبُ مِنْ هَذِهِ الْأَمَارَاتِ مَا يُنْكِرُهَا تَأَنَّى وَفَحَصَ وَرَاعَى شَوَاهِدَ الْحَالِ، وَلَمْ يُعَجِّلْ بِالْإِنْكَارِ قَبْلَ الِاسْتِخْبَارِ.

وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْقَاضِي أَنَّهُ يُنْكِرُ عَلَى مَنْ خَالَفَ مَذْهَبَهُ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَخْتَلِفَ اجْتِهَادُهُ كَمَا يُنْكِرُ عَلَى مَنْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ، أَوْ طَعَامَ غَيْرِهِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ عُذْرٌ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>