للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ] [التَّعْرِيف بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر]

الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ كُلُّ مَا أُمِرَ بِهِ شَرْعًا، وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَهُوَ كُلُّ مَا يُنْهَى عَنْهُ شَرْعًا فَرْضُ عَيْنٍ وَهَلْ هُوَ بِالشَّرْعِ أَوْ بِالْعَقْلِ؟ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْ عَلِمَهُ جُرْمًا وَشَاهَدَهُ وَعَرَفَ مَا يُنْكَرُ وَلَمْ يَخَفْ سَوْطًا وَلَا عَصًا وَلَا أَذًى.

زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى يَزِيدُ عَلَى الْمُنْكَرِ أَوْ يُسَاوِيهِ وَلَا فِتْنَةَ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ أَوْ أَهْلِهِ، وَأَطْلَقَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ سُقُوطَهُ بِخَوْفِ الضَّرْبِ وَالْحَبْسِ وَأَخْذِ الْمَالِ، وَإِنَّهُ ظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ هَانِئٍ فِي إسْقَاطِهِ بِالْعَصَا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ الْبَاقِلَّانِيِّ، وَأَسْقَطَهُ الْقَاضِي أَيْضًا بِأَخْذِ الْمَالِ الْيَسِيرِ قَالَ أَيْضًا وَقِيلَ لَهُ قَدْ أَوْجَبْتُمْ عَلَيْهِ شِرَاءَ الْمَاءِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ قَالَ إنَّمَا أَوْجَبْنَا ذَلِكَ إذَا لَمْ تُجْحَفْ الزِّيَادَةُ بِمَالِهِ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ مِثْلُهُ هُنَا.

وَلَا يَسْقُطُ فَرْضُهُ بِالتَّوَهُّمِ، فَلَوْ قِيلَ لَهُ لَا تَأْمُرْ عَلَى فُلَانٍ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنَّهُ يَقْتُلُك لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ كَذَلِكَ قَالَ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْإِنْكَارُ لِظَنِّنَا زِيَادَةَ الْمُنْكَرِ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ حَسَنًا لِأَنَّ مَا أَزَالَ وُجُوبَهُ أَزَالَ حُسْنَهُ.

وَيُفَارِقُ هَذَا إذَا ظَنَنَّا أَنَّ الْمُنْكَرَ لَا يَزُولُ وَأَنَّهُ يَحْسُنُ الْإِنْكَارُ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ كَمَا يُقَاتِلُ الْكُفَّارَ وَالْبُغَاةَ وَالْخَوَارِجَ وَإِنْ ظُنَّ إقَامَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ. انْتَهَى كَلَامُهُ فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ فَرْضَهُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوَهُّمِ. وَقَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْإِنْكَارُ لِظَنِّنَا زِيَادَةَ الْمُنْكَرِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالظَّنِّ.

وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إنَّمَا اعْتَبَرُوا الْخَوْفَ وَهُوَ ضِدُّ الْأَمْنِ، وَقَدْ قَالُوا يُصَلِّي صَلَاةَ الْخَوْفِ إذَا لَمْ يُؤْمَنْ هُجُومُ الْعَدُوِّ.

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي آخِرِ الْإِرْشَادِ مِنْ شُرُوطِ الْإِنْكَارِ أَنْ يَعْلَمَ أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى مَفْسَدَةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>