[فَصْلٌ فِي الْكَذِبِ فِي الْمَالِ وَالسِّنِّ وَافْتِخَارِ الضَّرَّةِ وَنَحْوِهِ]
ِ) وَمِنْ النَّاسِ مَنْ إذَا سُئِلَ عَنْ مِقْدَارِ مَا يَمْلِكُ مِنْ الْمَالِ يُخْبِرُ بِخِلَافِ الْوَاقِعِ وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّهُ كَذِبٌ، وَقَدْ (قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابُ الْمُتَشَبِّعِ، بِمَا لَمْ يَنَلْ وَمَا يُنْهَى مِنْ افْتِخَارِ الضَّرَّةِ) ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي ضَرَّةً فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ إنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجِي غَيْرَ الَّذِي يُعْطِينِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ» وَلِمَا فِيهِ مِنْ جَحْدِ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ إخْبَارُهُ بِأَنْقَصَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ فِي الْإِخْبَارِ وَعَدَمِهِ وَالْإِخْبَارِ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ وَالتَّوْرِيَةِ فَيَعْمَلُ بِذَلِكَ.
وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْد الْبَاقِي الْحَنْبَلِيُّ الْإِمَامُ يَقُولُ مَا مِنْ عِلْمٍ إلَّا وَقَدْ نَظَرْت فِيهِ وَحَصَّلْت مِنْهُ الْكُلَّ أَوْ الْبَعْضَ وَمَا أَعْرِفُ أَنِّي ضَيَّعْت سَاعَةً مِنْ عُمْرَى فِي لَهْوٍ أَوْ لَعِبٍ، وَانْفَرَدَ بِعِلْمِ الْحِسَابِ وَالْفَرَائِضِ وَتَفَقَّهَ عَلَى الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَتُوُفِّيَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائَةِ وَقَدْ تَمَّ لَهُ ثَلَاثٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً وَلَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْ حَوَاسِّهِ شَيْءٌ وَيَقْرَأُ الْخَطَّ الدَّقِيقَ مِنْ بُعْدٍ سُئِلَ مَرَّةً عَنْ عُمْرِهِ فَأَنْشَدَ:
احْفَظْ لِسَانَك لَا تَبُحْ بِثَلَاثَةٍ ... سِنٍّ وَمَالٍ مَا عَلِمْت وَمَذْهَبِ
فَعَلَى الثَّلَاثَةِ تُبْتَلَى بِثَلَاثَةٍ ... بِمُكَفِّرٍ وَبِحَاسِدٍ وَمُكَذِّبِ
وَمِنْ كَلَامِهِ قَالَ يَجِبُ عَلَى الْمُعَلِّمِ أَنْ لَا يُعَنِّفَ، وَعَلَى الْمُتَعَلِّمِ أَنْ لَا يَأْنَفَ وَقَالَ مَنْ خَدَمَ الْمَحَابِرَ، خَدَمَتْهُ الْمَنَابِرُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute