[فَصْلٌ النَّهْيُ عَنْ سَبِّ الدَّهْرِ وَنِسْبَةِ الشَّرِّ إلَيْهِ وَعَنْ قَوْلِ الرَّجُلِ هَلَكَ النَّاسُ]
فَصْلٌ (النَّهْيُ عَنْ سَبِّ الدَّهْرِ وَنِسْبَةِ الشَّرِّ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْفَاعِلُ اللَّهُ وَعَنْ قَوْلِ الرَّجُلِ هَلَكَ النَّاسُ) مِنْ النَّاسِ مَنْ يَفْعَلُ عِنْدَ النَّوَازِلِ وَالْمَصَائِبِ مَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْعَرَبُ مِنْ سَبِّ الدَّهْرِ وَالزَّمَانِ فَلِهَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ.» وَفِيهِمَا «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» .
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ.» أَيْ: إنَّكُمْ إذَا سَبَبْتُمْ فَاعِلَ ذَلِكَ وَقَعَ السَّبُّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْفَاعِلُ، وَالدَّهْرُ لَا فِعْلَ لَهُ بَلْ مِنْ جُمْلَةِ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ» بِرَفْعِ الْكَافِ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ أَشْهَرُ أَيْ: أَشَدُّهُمْ هَلَاكًا.
وَرُوِيَ أَهْلَكَهُمْ بِفَتْحِ الْكَافِ أَيْ جَعَلَهُمْ هَالِكِينَ؛ لِأَنَّهُمْ هَلَكُوا فِي الْحَقِيقَةِ وَهَذَا النَّهْيُ لِمَنْ قَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِقَارِ وَالْإِزْرَاءِ عَلَى النَّاسِ وَتَفْضِيلِ نَفْسِهِ عَلَيْهِمْ فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ تَحَزُّنًا لِمَا يَرَى مِنْ النَّقْصِ فِي أَمْرِ الدِّينِ زَادَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي نَفْسِهِ وَفِي النَّاسِ فَلَا بَأْسَ كَمَا قَالَ: يَعْنِي الصَّحَابِيَّ أَظُنُّهُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ لَا أَعْرِفُ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا.
هَكَذَا فَسَّرَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَتَابَعَهُ النَّاسُ عَلَيْهِ كَذَا قَالَ، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا قَالَ هَذَا الْمَعْنَى تَحَزُّنًا لِمَا يَرَاهُ فِيهِمْ مِنْ النَّقْصِ فَلَا بَأْسَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَى ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ لَكِنْ لَا يُزَكِّي نَفْسَهُ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَعِيبُ النَّاسَ وَيَذْكُرُ مَسَاوِيَهُمْ وَيَقُولُ: فَسَدَ النَّاسُ وَهَلَكُوا وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ أَيْ: أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُمْ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْإِثْمِ فِي عَيْبِهِمْ وَالْوَقِيعَةِ فِيهِمْ وَرُبَّمَا أَدَّاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute