[فَصْلٌ فِي الْعِشْقِ وَأَسْبَابِهِ وَعِلَاجِهِ]
الْعِشْقُ دَاءٌ صَعْبٌ وَمَرَضٌ لَيْسَ بِالْهَيِّنِ وَهُوَ فَرْطُ الْحُبِّ وَقَدْ عَشِقَهُ عِشْقًا مِثْل عَلِمَهُ عِلْمًا وَعَشَقًا أَيْضًا عَنْ الْفَرَّاءِ، وَالْعَشَقَةُ نَبْتٌ يَصْفَرُّ كُلُّهُ وَيَذْبُلُ بِهِ شُبِّهَ الْعَاشِقُ وَرَجُلٌ عَشَقٌ مِثْلُ فَسَقٍ أَيْ كَثِيرُ الْعِشْقِ عَنْ يَعْقُوبَ. وَالتَّعَشُّقُ تُكَلَّفُ الْعِشْقِ قَالَ الْفَرَّاءُ يَقُولُونَ امْرَأَةٌ مُحِبٌّ لِزَوْجِهَا وَعَاشِقٌ. وَالْعِشْقُ الطَّوِيلُ الَّذِي لَيْسَ بِمُثْقَلٍ وَلَا ضَخْمٍ مِنْ قَوْمٍ عَانِقَةٌ، وَالْمَرْأَةُ عِشْقَةٌ وَقَدْ يَقْتُلُ الْعِشْقُ صَاحِبَهُ.
وَقَدْ صَنَّفَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مَصَارِعَ الْعُشَّاقِ، وَلِهَذَا ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ مَنْ مَاتَ بِهِ مِنْ الشُّهَدَاءِ. وَذَكَرُوا الْخَبَرَ الضَّعِيفَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَشِقَ فَكَتَمَ فَمَاتَ مَاتَ شَهِيدًا» لَكِنْ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ فِي عَدَدِ الشُّهَدَاءِ وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ التَّابِعِينَ فِي قَوْله تَعَالَى: {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: ٢٨٦] .
إنَّهُ الْمَحَبَّةُ، وَالْعِشْقُ، وَمَاتَ بِهِ بَعْضُ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ أَظُنُّهُ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ قَالَ ثَعْلَبُ أَنْشَدَنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ
ثَلَاثَةُ أَحْبَابٍ فَحُبُّ عَلَاقَةٍ ... وَحُبُّ تِمْلَاقٍ وَحَبٌّ هُوَ الْقَتْلُ
وَيُقَالُ تَمَلَّقَهُ وَتَمَلَّقَ لَهُ تَمْلِيقًا وَتَمَلُّقًا أَيْ تَوَدَّدَ إلَيْهِ وَتَلَطَّفَ لَهُ، وَلَا يُبْتَلَى بِالْعِشْقِ غَالِبًا إلَّا مَنْ غَفَلَ قَلْبُهُ عَنْ اللَّهِ وَعَنْ ذِكْرِهِ وَعَنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ يُوسُفَ {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: ٢٤] يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْإِخْلَاصَ سَبَبٌ لِدَفْعِ السُّوءِ، وَالْفَحْشَاءِ فَالْقَلْبُ إذَا امْتَلَأَ مِنْ ذَلِكَ اسْتَحْلَاهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَتَغَذَّى بِهِ وَاسْتَغْنَى بِهِ عَمَّا سِوَاهُ.
قَالَ فِي الْفُنُونِ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ لَيْسَ الْعِشْقُ مِنْ أَدْوَاءِ الْحُكَمَاءِ إنَّمَا هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute