مِنْ أَمْرَاضِ الْخُلَفَاءِ الَّذِينَ جَعَلُوا دَأْبَهُمْ وَلَهْجَتَهُمْ مُتَابَعَةَ النَّفْسِ وَإِرْخَاءً عَنْ الشَّهْوَةِ وَإِفْرَاطَ النَّظَرِ فِي الْمُسْتَحْسَنَاتِ مِنْ الصُّوَرِ، فَهُنَالِكَ تَتَقَيَّدُ النَّفْسُ بِبَعْضِ الصُّوَرِ فَتَأْنَسُ، ثُمَّ تَأْلَفُ، ثُمَّ تَتُوقُ، ثُمَّ تَتَشَوَّقُ، ثُمَّ تَلْهَجُ فَيُقَالُ عَشِقَ، وَالْحَكِيمُ مَنْ اسْتَطَالَ رَأْيُهُ عَلَى هَوَاهُ وَتَسَلَّطَتْ حِكْمَتُهُ أَوْ تَقْوَاهُ عَلَى شَهْوَتِهِ، فِرْعُونَاتُ نَفْسِهِ مُقَيَّدَةٌ أَبَدًا، كَصَبِيٍّ بَيْنَ يَدَيْ مُعَلِّمِهِ أَوْ عَبْدٍ بِمَرْأَى سَيِّدِهِ وَمَا كَانَ الْعِشْقُ إلَّا لِأَرْعَنَ بَطَّالٍ، وَقَلَّ أَنْ يَكُونَ فِي مَشْغُولٍ وَلَوْ بِصِنَاعَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ فَكَيْفَ بِعُلُومٍ شَرْعِيَّةٍ أَوْ حُكْمِيَّةٍ؟ فَإِنَّهَا صَارِفَةٌ عَنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَيْضًا الْأَبْدَانُ الْمُدَلَّلَةُ تَسْتَحِيلُ تُرَابًا وَفِي تَدَرُّجِهَا تَسْتَحِيلُ دَمًا وَقَيْحًا وَمِدَّةً، فَلَوْ فَكَّرَ الْعَاشِقُ فِي حَالِ الْمَعْشُوقِ فَتَرَ عِشْقُهُ وَقَالَ أَيْضًا قَوْلُهُمْ أَوْحَشَنَا فُلَانُ، الْوَحْشَةُ انْقِبَاضٌ فِي الْقَلْبِ لِفَقْدِ الْمَأْلُوفِ، وَحَدُّ الْأُنْسِ انْبِسَاطُ الْقَلْبِ وَطُمَأْنِينَتِهِ إلَى مَحْسُوسٍ، وَحَدُّ الْقَلَقِ تَتَابُعُ حَرَكَةِ الْقَلْبِ لِمُزْعِجٍ،، وَالْوَجِيبُ أَشَدُّ حَرَكَاتِ الْقَلْبِ،، وَالطُّمَأْنِينَةُ سُكُونُ الْقَلْبِ وَدَعَتُهُ، وَالتَّشَفِّي دَرْكُ الْقَلْبِ غَرَضَهُ مِنْ الِانْتِقَامِ، وَالْغَيْظُ أَخْفَاهُ طَلَبُ الِانْتِقَامِ لِلْعَجْزِ عَنْ إيقَاعِهِ،، وَالْمُؤَاخَذَةُ الْمُجَازَاةُ عَلَى الْإِسَاءَةِ،، وَالْهَيَمَانُ الذَّهَاب فِي طَلَب غَرَضٍ لَا غَايَةَ لَهُ،، وَالْكَلَفُ الشَّغَفُ، وَاللَّهَجُ تَطَلُّبُ الْغَرَضِ، وَالْحَمَاقَةُ إهْمَالُ قَوَانِينِ الْحِكْمَةِ،، وَالتَّمَنِّي تَطَوُّحٌ بِالْأَمَلِ،، وَالشَّرَهُ إسْرَافُ الطَّبْعِ فِي الْمَطْلُوبِ.
وَذَكَرَ أَيْضًا قَوْلَ الصَّابِئِ الْكَاتِبِ:
وَقَالُوا أَفِقْ مِنْ لَذَّةِ السُّكْرِ وَالصِّبَا ... فَقَدْ بَانَ صُبْحٌ فِي دُجَاك عَجِيبُ
فَقُلْت أَخِلَّائِي دَعُونِي وَلَذَّتِي ... فَإِنَّ الْكَرَى عِنْدَ الصَّبَاحِ يَطِيبُ
وَطَرِيقُ عِلَاجِهِ الْبُعْدُ عَنْ الْمَعْشُوقِ بِحَيْثُ لَا يَرَاهُ وَلَا يَسْمَعُ كَلَامَهُ فَإِنَّ الْبُعْدَ جَفَاءٌ وَقَدْ قَالَ الشَّاعِر:
تَزَوَّدْت مِنْ لَيْلَى بِتَكْلِيمِ سَاعَةٍ ... فَمَا زَادَ إلَّا ضِعْفَ مَا بِي كَلَامُهَا
وَالتَّفَكُّرُ فِي مَسَاوِيهِ وَقَبِيحِ صِفَاتِهِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مَا قَالَهُ غَيْرُهُ: الِاطِّلَاعُ عَلَى بَعْضِ الْعُيُوبِ يَقْدَحُ فِي الْمَحَبَّةِ.
وَالنَّظَرُ فِي عَاقِبَةِ الْمَعَاصِي وَمَا يَقْتَرِنُ بِهَا مِنْ الذُّلِّ، وَالْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ، فَإِنَّ عَاقِلًا لَا يُؤْثِرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute