للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فِي فَضْلِ الْأَدَبِ وَالتَّأْدِيبِ]

ِ) قَالَ فِي الْغُنْيَة بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ جُمْلَةً مِنْ الْآدَابِ يَنْبَغِي لِكُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهَذِهِ الْآدَابِ فِي أَحْوَالِهِ. رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ تَأَدَّبُوا، ثُمَّ تَعَلَّمُوا وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِيُّ أَدَبُ الْعِلْمِ أَكْثَرُ مِنْ الْعِلْمِ.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ إذَا وُصِفَ لِي رَجُلٌ لَهُ عِلْمُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَا أَتَأَسَّفُ عَلَى فَوْتِ لِقَائِهِ، وَإِذَا سَمِعْت رَجُلًا لَهُ أَدَبُ الْقَسِّ أَتَمَنَّى لِقَاءَهُ وَأَتَأَسَّفُ عَلَى فَوْتِهِ. وَيُقَالُ مَثَلُ الْإِيمَانِ كَمَثَلِ بَلْدَةٍ لَهَا خَمْسَةُ حُصُونٍ، الْأَوَّلُ مِنْ ذَهَبٍ، وَالثَّانِي مِنْ فِضَّةٍ وَالثَّالِث مِنْ حَدِيدٍ، وَالرَّابِعُ مِنْ آجُرٍّ، وَالْخَامِسُ مِنْ لَبِنٍ فَمَا زَالَ أَهْلُ الْحِصْنِ مُتَعَاهِدِينَ الْحِصْنَ مِنْ اللَّبِنِ لَا يَطْمَعُ الْعَدُوُّ فِي الثَّانِي فَإِذَا أَهْمَلُوا ذَلِكَ طَمِعُوا فِي الْحِصْنِ الثَّانِي، ثُمَّ الثَّالِثِ حَتَّى تَخْرَبَ الْحُصُونُ كُلُّهَا، فَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ فِي خَمْسَةِ حُصُونٍ: الْيَقِينِ. ثُمَّ الْإِخْلَاصِ، ثُمَّ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، ثُمَّ أَدَاءِ السُّنَنِ، ثُمَّ حِفْظِ الْآدَابِ، فَمَا دَامَ الْعَبْدُ يَحْفَظُ الْآدَابَ وَيَتَعَاهَدُهَا فَالشَّيْطَانُ لَا يَطْمَعُ فِيهِ. فَإِذَا تَرَكَ الْآدَابَ طَمِعَ الشَّيْطَانُ فِي السُّنَنِ، ثُمَّ فِي الْفَرَائِضِ، ثُمَّ فِي الْإِخْلَاصِ، ثُمَّ فِي الْيَقِينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ لَا يَنْبُلُ الرَّجُلُ بِنَوْعٍ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يُزَيِّنْ عَمَلَهُ بِالْأَدَبِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا طَلَبْت الْعِلْمَ فَأَصَبْت فِيهِ شَيْئًا، وَطَلَبْت الْأَدَبَ فَإِذَا أَهْلُهُ قَدْ مَاتُوا.

وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ لَا أَدَبَ إلَّا بِعَقْلٍ، وَلَا عَقْلَ إلَّا بِأَدَبٍ، كَانَ يُقَالُ الْعَوْنُ لِمَنْ لَا عَوْنَ لَهُ الْأَدَبُ.

وَقَالَ الْأَحْنَفُ الْأَدَبُ نُورُ الْعَقْلِ، كَمَا أَنَّ النَّارَ فِي الظُّلْمَةِ نُورُ الْبَصَرِ. كَانَ يُقَالُ الْأَدَبُ مِنْ الْآبَاءِ، وَالصَّلَاحُ مِنْ اللَّهِ. كَانَ يُقَال مَنْ أَدَّبَ ابْنَهُ صَغِيرًا، قَرَّتْ بِهِ عَيْنُهُ كَبِيرًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَنْ لَمْ يُؤَدِّبْهُ وَالِدَاهُ أَدَّبَهُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قَوْله تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>