[فَصْلٌ فِي التَّسْمِيَةِ فِي ابْتِدَاءِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْحَمْدِ بَعْدَهُمَا وَآدَابٌ أُخْرَى]
وَيُسَمِّي فِي أَوَّلِهَا وَهِيَ بَرَكَةُ الطَّعَامِ يَكْفِي الْقَلِيلُ بِهَا وَبِدُونِهَا لَا يَكْفِي كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الْآتِيَةُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا فَقَرَّبَ طَعَامًا فَلَمْ أَرَ طَعَامًا كَانَ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْهُ أَوَّلَ مَا أَكَلْنَا وَلَا أَقَلَّ بَرَكَةً فِي أَخِرِهِ فَقُلْنَا كَيْفَ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ:؛ لِأَنَّا ذَكَرْنَا اسْمَ اللَّهِ حِينَ أَكَلْنَا، ثُمَّ قَعَدَ بَعْدُ مَنْ أَكَلَ وَلَمْ يُسَمِّ فَأَكَلَهُ مَعَهُ الشَّيْطَانُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَيَحْمَدُ اللَّهَ إذَا فَرَغَ وَيَقُولُ مَا وَرَدَ، وَيُسَنُّ مَسْحُ الصَّحْفَةِ، وَالْأَكْلُ عِنْدَ حُضُورِ رَبِّ الطَّعَامِ وَإِذْنِهِ وَأَكْلُ مَا تَنَاثَرَ، وَقِيلَ يَحْمَدُ الشَّارِبُ كُلَّ مَرَّةٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْمَدُهُ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ، وَالتَّسْمِيَةُ تُرَادُ لِعَدَمِ مُشَارَكَةِ الشَّيْطَانِ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ بِالتَّسْمِيَةِ أَوَّلًا وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ أَنَّ الشَّارِبَ يُسَمِّي اللَّهَ عِنْدَ كُلِّ ابْتِدَاءٍ وَيَحْمَدُهُ عِنْدَ كُلِّ قَطْعٍ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ فِعْلٍ كَالْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ آكَدُّ وَإِنَّمَا خَصَّ هَؤُلَاءِ الشَّارِبَ إمَّا لِقِلَّتِهِ فَلَا يَشُقُّ التَّكْرَارُ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَرَّةٍ مَأْمُورٌ بِهَا وَاسْتُحِبَّ فِيهَا مَا اُسْتُحِبَّ فِي الْأُولَى بِخِلَافِ الْأَكْلِ فَإِنَّهُ يَطُولُ فَيَشُقُّ التَّكْرَارُ، وَالْقَطْعُ فِيهِ أَمْرٌ عَادِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ يُقَالُ مِثْلُهُ فِي أَكْلِ كُلِّ لُقْمَةٍ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ تَعَشَّيْت مَرَّةً أَنَا وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقَرَابَةٌ لَهُ فَجَعَلْنَا لَا نَتَكَلَّمُ وَهُوَ يَأْكُلُ وَيَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَبِسْمِ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ أَكْلٌ وَحَمْدٌ خَيْرٌ مِنْ أَكْلٍ وَصَمْتٍ وَلَمْ أَجِدْ عَنْ أَحْمَدَ خِلَافَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ صَرِيحًا وَلَمْ أَجِدْهَا فِي كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ،، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اتَّبَعَ الْأَثَرَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ مِنْ طَرِيقَتِهِ وَعَادَتِهِ تَحَرِّيَ الِاتِّبَاعِ.
وَرَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ لِبَعْضِ قَوْمٍ أَكَلُوا مَعَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute