[فَصْلٌ فِي أَنْوَاعِ الِاسْتِفْرَاغِ الْقَيْءُ أَسْبَابُهُ وَعِلَاجُهُ]
ُ) عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاءَ فَتَوَضَّأَ فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ فَقَالَ: صَدَقَ أَنَا صَبَبْتُ لَهُ وُضُوءَهُ» .
وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ.
الِاسْتِفْرَاغَاتُ خَمْسَةٌ: الْإِسْهَالُ، وَإِخْرَاجُ الدَّمِ، وَقَدْ سَبَقَ ذَلِكَ وَالْقَيْءُ، إمَّا بِالْغَلَبَةِ فَلَا يَجُوزُ حَبْسُهُ إلَّا إذَا أَفْرَطَ وَخِيفَ مِنْهُ فَيُقْطَعُ بِمَا يُمْسِكُهُ، وَإِمَّا بِالِاسْتِدْعَاءِ فَأَنْفَعُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ.
وَسَبَبُ الْقَيْءِ صَفْرَاءُ أَوْ بَلْغَمٌ أَوْ ضَعْفُ الْمَعِدَةِ فِي ذَاتِهَا فَلَا تَهْضِمُ وَتَقْذِفُ الطَّعَامَ إلَى فَوْقٍ أَوْ يُخَالِطُهَا خَلْطٌ رَدِيءٌ فَيُسِيءُ هَضْمَهَا أَوْ زِيَادَةُ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ لَا تَحْتَمِلُهُ الْمَعِدَةُ، أَوْ كَرَاهَتُهَا لَهُمَا، فَتَطْلُبُ دَفْعَهُ، وَيَحْصُلُ فِيهَا مَا يَثُورُ الطَّعَامُ بِكَيْفِيَّتِهِ وَطَبِيعَتِهِ فَيَقْذِفُ بِهِ، أَوْ قَرَفٌ يَغْثِي النَّفْسَ، أَوْ عَرَضٌ نَفْسَانِيٌّ كَهَمٍّ وَحُزْنٍ يَشْغَلُ الطَّبِيعَةَ عَنْ تَدْبِيرِ الْبَدَنِ بِهِ فَتَقْذِفُهُ الْمَعِدَةُ، وَقَدْ يَكُونُ لِأَجْلِ تَحَرُّكِ الْأَخْلَاطِ عِنْدَ تَخَبُّطِ النَّفْسِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ النَّفْسِ وَالْبَدَنِ يَنْفَعِلُ عَنْ صَاحِبِهِ، أَوْ نَقْلِ الطَّبِيعَةِ بِأَنْ يَرَى مَنْ يَتَقَيَّأُ فَيَغْلِبُ الْقَيْءُ، فَإِنَّ الطَّبِيعَةَ نَقَّالَةٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَيْءَ فِي بَلَدٍ حَارٍّ وَزَمَنٍ حَارٍّ أَنْفَعُ لِرِقَّةِ الْأَخْلَاطِ وَانْجِذَابِهَا إلَى فَوْقٍ، وَبَلَدٍ وَزَمَنٍ بَارِدٍ يَغْلُظُ الْخَلْطُ، وَيَصْعُبُ جَذْبُهُ، وَالْإِسْهَالُ أَنْفَعُ.
وَإِزَالَةُ الْخَلْطِ تَكُونُ بِالْجَذْبِ وَالِاسْتِفْرَاغِ، وَالْجَذْبُ يَكُونُ مِنْ أَبْعَدِ الطُّرُقِ وَالِاسْتِفْرَاغُ مِنْ أَقْرَبِهَا؛ لِأَنَّ الْمَادَّةَ إنْ كَانَتْ عَامِلَةً فِي الِانْصِبَابِ أَوْ التَّرَقِّي لَمْ تَسْتَقِرَّ بَعْدُ فَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إلَى الْجَذْبِ، فَإِنْ كَانَتْ مُتَصَاعِدَةً جُذِبَتْ مِنْ أَسْفَلَ، وَإِنْ كَانَتْ مُنْصَبَّةً جُذِبَتْ مِنْ فَوْقٍ، وَأَمَّا إذَا اسْتَقَرَّتْ فِي مَوْضِعِهَا اُسْتُفْرِغَتْ مِنْ أَقْرَبِ الطُّرُقِ إلَيْهَا، فَمَتَى أَضَرَّتْ الْمَادَّةُ بِالْأَعْضَاءِ الْعُلْيَا اُجْتُذِبَتْ مِنْ أَسْفَلَ، وَمَتَى أَضَرَّتْ بِالْأَعْضَاءِ السُّفْلَى اُجْتُذِبَتْ مِنْ فَوْقٍ، وَمَتَى اسْتَقَرَّتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute