للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فِي إصْلَاحِ السَّرِيرَةِ وَالْإِخْلَاصِ وَعَلَامَاتِ فَسَادِ الْقَلْبِ]

فِي الْأَثَرِ مَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اللَّهُ عَلَانِيَتَهُ، وَمَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَصْلَحَ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ. قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ " كَانَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا مَضَى يَكْتُبُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ " فَذَكَرَ ذَلِكَ وَفِي آخِرِهِ وَمَنْ عَمِلَ لِآخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمْرَ دُنْيَاهُ رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْإِخْلَاصِ وَقَالَ «أَلَا إنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ» .

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَأَخْبَرَ أَنَّ صَلَاحَ الْقَلْبِ مُسْتَلْزِمٌ لِصَلَاحِ سَائِرِ الْجَسَدِ، وَفَسَادَهُ مُسْتَلْزِمٌ لِفَسَادِهِ، فَإِذَا رَأَى ظَاهِرَ الْجَسَدِ فَاسِدًا غَيْرَ صَالِحٍ عَلِمَ أَنَّ الْقَلْبَ لَيْسَ بِصَالِحٍ بَلْ فَاسِدٌ، وَيَمْتَنِعُ فَسَادُ الظَّاهِرِ مَعَ صَلَاحِ الْبَاطِنِ كَمَا يَمْتَنِعُ صَلَاحُ الظَّاهِرِ مَعَ فَسَادِ الْبَاطِنِ إذْ كَانَ صَلَاحُ الظَّاهِرِ وَفَسَادُهُ مُلَازِمًا لِصَلَاحِ الْبَاطِنِ وَفَسَادِهِ.

قَالَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا أَسَرَّ أَحَدٌ سَرِيرَةً إلَّا أَظْهَرَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى صَفَحَاتِ وَجْهِهِ وَفَلَتَاتِ لِسَانِهِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: لِلْإِيمَانِ رَوَائِحُ وَلَوَائِحُ لَا تَخْفَى عَلَى اطِّلَاعِ مُكَلَّفٍ بِالتَّلَمُّحِ لِلْمُتَفَرِّسِ، وَقَلَّ أَنْ يُضْمِرَ مُضْمِرٌ شَيْئًا إلَّا وَظَهَرَ مَعَ الزَّمَانِ عَلَى فَلَتَاتِ لِسَانِهِ وَصَفَحَاتِ وَجْهِهِ.

وَقَدْ أَخَذَ الْفُقَهَاءُ بِالتَّكَشُّفِ عَلَى مُدَّعِي الطَّرَشِ وَالْعَمَى عِنْدَ لَطْمِهِ، أَوْ زَوَالِ عَقْلِهِ عِنْدَ ضَرْبِهِ، أَوْ الْخَرَسِ وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ مِمَّا لَا تُعْلَمُ صِحَّتُهُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَلَا تُمْكِنُ الشَّهَادَةُ بِهِ.

ثُمَّ ذَكَرَ فِي التَّكَشُّفِ عَنْ هَذَا مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَأَنَّ مَنْ أَرَادَ التَّكَشُّفَ عَنْ رَجُلٍ خَطَبَ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَزَلْ يَذْكُرُ الْمَذَاهِبَ وَيُعَرِّضُ بِهَا وَيَذْكُرُ الْأَفْعَالَ الْمُزْرِيَةَ فِي الشَّرْعِ الَّتِي يَمِيلُ إلَيْهَا الطَّبْعُ وَيَنْظُرُ هَشَاشَتَهُ إلَيْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>