[فَصْلٌ فِي تَرْتِيلِ الْقُرْآنِ وَتَدَبُّرِهِ وَالتَّخَشُّعِ وَالتَّغَنِّي بِهِ]
ِ) وَيُسْتَحَبُّ تَرْتِيلُ الْقِرَاءَةِ وَإِعْرَابُهَا وَتَمَكُّنُ حُرُوفِ الْمَدِّ وَاللِّينِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفِ، قَالَ أَحْمَدُ: تُعْجِبُنِي الْقِرَاءَةُ السَّهْلَةُ، وَكَرِهَ السُّرْعَةَ فِي الْقِرَاءَةِ قَالَ حَرْبُ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ السُّرْعَةِ فِي الْقِرَاءَةِ فَكَرِهَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِسَانُ الرَّجُلِ كَذَلِكَ أَوْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَرَسَّلَ، قِيلَ: فِيهِ إثْمٌ؟ قَالَ أَمَّا الْإِثْمُ فَلَا أَجْتَرِئُ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي: يَعْنِي إذَا لَمْ تَبِنْ الْحُرُوفُ مَعَ أَنَّهُ قَالَ: ظَاهِرُ هَذَا كَرَاهَةُ السُّرْعَةِ وَالْعَجَلَةِ.
قَالَ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ وَقَدْ سُئِلَ إذَا قَامَ الرَّجُلُ مِنْ اللَّيْلِ أَيُّمَا أَحَبُّ إلَيْكَ: التَّرَسُّلُ أَوْ السُّرْعَةُ؟ فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ جَاءَ: بِكُلِّ حَرْفٍ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً؟ قُولُوا لَهُ فِي السُّرْعَةِ قَالَ: إذَا صَوَّرَ الْحَرْفَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ مِنْ الْهِجَاءِ قَالَ الْقَاضِي: وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ اخْتَارَ السُّرْعَةَ.
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: كَرِهَ أَحْمَدُ سُرْعَتَهَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْحُرُوفَ انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَالَ الْقَاضِي: أَقَلُّ التَّرْتِيلِ تَرْكُ الْعَجَلَةِ فِي الْقُرْآنِ عَنْ الْإِبَانَةِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا بَيَّنَ مَا يَقْرَأُ بِهِ فَقَدْ أَتَى بِالتَّرَسُّلِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَعْجِلًا فِي قِرَاءَتِهِ، وَأَكْمَلَهُ أَنْ يُرَتِّلَ الْقِرَاءَةَ وَيَتَوَقَّفَ فِيهَا مَا لَمْ يُخْرِجْهُ ذَلِكَ إلَى التَّمْدِيدِ وَالتَّمْطِيطِ، فَإِذَا انْتَهَى إلَى التَّمْطِيطِ كَانَ مَمْنُوعًا، قَالَ وَقَدْ أَوْمَأَ أَحْمَدُ إلَى مَعْنَى هَذَا فَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: يُعْجِبُنِي مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ السَّهْلَةُ وَلَا تُعْجِبُنِي هَذِهِ الْأَلْحَانُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَظُنُّهُ حِكَايَةً عَنْ أَبِي مُوسَى، وَالتَّفَهُّمُ فِيهِ وَالِاعْتِبَارُ فِيهِ مَعَ قِلَّةِ الْقِرَاءَةِ أَفْضَلُ مِنْ إدْرَاجِهِ بِغَيْرِ تَفَهُّمٍ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَالَ أَحْمَدُ: يُحَسِّنُ الْقَارِئُ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ وَيَقْرَؤُهُ بِحُزْنٍ وَتَدَبُّرٍ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَإِذْنِهِ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ» نَصَّ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: أَذِنَ بِكَسْرِ الذَّالِ وَمَعْنَاهُ الِاسْتِمَاعُ. وَقَوْلُهُ: " كَأَذَنِهِ " هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالذَّالِ وَهُوَ مَصْدَرُ أَذِنَ يَأْذَنُ أَذَنًا كَفَرِحَ يَفْرَحُ فَرَحًا.
وَفِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute