[فَصْلٌ فِي تَقْدِيمِ النِّيَّةِ الصَّالِحَةِ وَالْإِخْلَاصِ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ]
ِ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي النِّيَّةِ لِلْعِلْمِ وَالْحَذَرِ مِنْ الرِّيَاءِ، وَقَالَ فِي صَيْدِ الْخَاطِرِ: يَا قَوْمِ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ، وَقَدْ فَهِمْتُمْ قَوْله تَعَالَى {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: ٣] .
وَقَدْ سَمِعْتُمْ عَنْ السَّلَفِ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُعَلِّمُونَ وَلَا يَقُولُونَ حَتَّى تَتَقَدَّمَ النِّيَّةُ وَتَصِحَّ، أَيَذْهَبُ زَمَانُكُمْ يَا فُقَهَاءُ فِي الْجَدَلِ وَالصِّيَاحِ، وَتَرْتَفِعُ أَصْوَاتُكُمْ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْعَوَامّ تَقْصِدُونَ الْمُغَالَبَةَ، ثُمَّ يُقْدِمُ أَحَدُكُمْ عَلَى الْفَتْوَى وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَتَدَافَعُونَهَا، وَيَا مَعْشَرَ الْمُتَزَهِّدِينَ إنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَمَا يَخْفَى، أَتُظْهِرُونَ الْفَقْرَ فِي لِبَاسِكُمْ وَأَنْتُمْ تَشْتَهُونَ شَهَوَاتٍ، وَتُظْهِرُونَ التَّخَشُّعَ وَالْبُكَاءَ فِي الْجَلَوَاتِ دُونَ الْخَلَوَاتِ، كَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَضْحَكُ وَيُقَهْقِهُ، فَإِذَا خَلَا بَكَى فَأَكْثَرَ وَقَالَ سُفْيَانَ لِصَاحِبِهِ: مَا أَوْقَحَك تُصَلِّي وَالنَّاسُ يَرَوْنَك.
أَفْدِي ظِبَاءَ فَلَاةٍ مَا عَرَفْنَ بِهَا ... مَضْغَ الْكَلَامِ وَلَا صَبْغَ الْحَوَاجِيبِ
آهٍ لِلْمُرَائِي مِنْ يَوْمَ يُحَصَّلُ مَا فِي الصُّدُورِ، وَهِيَ النِّيَّاتُ وَالْعَقَائِدُ، فَالْجَزَاءُ عَلَيْهِمَا لَا عَلَى الظَّوَاهِرِ، فَأَفِيقُوا مِنْ سَكْرَتِكُمْ، وَتُوبُوا مِنْ زَلَلِكُمْ وَاسْتَقِيمُوا عَلَى الْجَادَّةِ.
{أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر: ٥٦] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute