[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ رَدِّ السَّلَامِ الْمَسْنُونِ]
وَرَدُّ السَّلَامِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَهَذَا مِنْ أَصْحَابِنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ رَدُّ السَّلَامِ وَلَا يُسَنُّ وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِأَنَّهُمْ أَطْلَقُوا وُجُوبَ رَدِّ السَّلَامِ، لَا سِيَّمَا وَسَيَأْتِي كَلَامُ صَاحِبِ النَّظْمِ أَوَّلَ الْفَصْلِ الْخَامِسِ وَيَأْتِي كَلَامُ الشَّيْخِ وَجِيهِ الدِّينِ فِيمَا إذَا بَدَأَ بِصِيغَةِ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا لِكَوْنِهِ بَدَأَ بِالْجَوَابِ فَدَلَّ أَنَّهُ إذَا أَتَى بِصِيغَةِ الِابْتِدَاءِ لَزِمَ الرَّدُّ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الِابْتِدَاءُ مَكْرُوهًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ بِقَوْلِهِمْ الْمَسْنُونِ.
وَقَدْ عُرِفَ مِنْ الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ أَنَّ حُكْمَ الرَّدِّ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا إلَّا كَلَامُهُ فِي الرِّعَايَةِ: يُكْرَهُ عَلَى الْمُتَخَلِّي لَا رَدُّهُ.
وَقَالَ: أَبُو حَفْصٍ فِي الْأَدَبِ لَهُ قَالَ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَانَ الْعَطَّارُ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ رَجُلٍ مَرَّ بِجَمَاعَةٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَرُدُّوا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ فَقَالَ: يُسْرِعُ فِي خُطَاهُ لَا تَلْحَقُهُ اللَّعْنَةُ مَعَ الْقَوْمِ، وَقِيلَ بَلْ سُنَّةٌ، وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ الرَّدِّ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ جَعَلُوهُ فَرْضًا مُتَعَيَّنًا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَمَاعَةِ الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِمْ، وَحَكَاهُ غَيْرُهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ الْحَنَفِيَّةِ، ذَكَرَهُ فِي تَسْلِيمِ الْخَطِيبِ فِي الْجُمُعَةِ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَلَا يَجِبُ رَدُّ سَلَامِ السَّائِلِ عَلَى بَابِ الدَّارِ لِأَنَّهُ يُسَلِّمُ لِشِعَارِ سُؤَالِهِ لَا لِلتَّحِيَّةِ، وَيُجْزِي سَلَامُ وَاحِدٍ مِنْ جَمَاعَةٍ وَرَدُّ أَحَدِهِمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونُوا مُجْتَمِعِينَ فَأَمَّا الْوَاحِدُ الْمُنْقَطِعُ فَلَا يُجْزِي سَلَامُهُ عَنْ سَلَامِ آخَرَ مُنْقَطِعٍ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ خِلَافُهُ.
قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا: «يُجْزِي عَنْ الْجَمَاعَةِ إذَا مَرُّوا أَنْ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمْ وَيُجْزِي عَنْ الْجُلُوس أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمْ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute