[فَصْلٌ فِي التَّغَلُّبِ عَلَى الْمَسْجِدِ وَغَصْبِهِ وَحُكْمِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَالضَّمَانِ لَهُ]
ُ) قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ تَغَلَّبَ مُتَغَلِّبٌ عَلَى مَسْجِدٍ وَمَنَعَ دُخُولَ النَّاسِ إلَيْهِ نَظَرْتَ إلَيْهِ فَإِنْ أَزَالَ الْآلَةَ الدَّالَّةَ عَلَى كَوْنِهِ مَسْجِدًا وَادَّعَاهُ مِلْكًا كَانَ كَسَائِرِ الْمَغْصُوبِ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِيهِ رِوَايَتَانِ، فَإِنْ مَنَعَ النَّاسَ عَنْهُ وَانْفَرَدَ بِهِ دُونَهُمْ مِنْ غَيْرِ تَخْرِيبٍ لَمْ يَصِحَّ غَصْبُهُ حُكْمًا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ الْمَسْجِدُ فِي مُدَّةِ مَنْعِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهُ كَالْحُرِّ إذَا غَصَبَهُ غَاصِبٌ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَصِحَّ غَصْبُهُ أَنْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ تَغَلَّبَ عَلَى أَرْضٍ لَا يَمْلِكُهَا عَلَى سَبِيلِ التَّعَدِّي أَشْبَهَ مَا إذَا تَغَلَّبَ عَلَى أَمْلَاكِ النَّاسِ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ إذَا لَمْ يُمْلَكْ لَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الصَّلَاةِ غَصْبُهُ كَمَا لَوْ غَصَبَ سِتَارَةَ الْكَعْبَةِ وَصَلَّى فِيهَا مُسْتَتِرًا بِهَا انْتَهَى كَلَامُهُ.
فَقَدْ اعْتَبَرَ الْمَسْأَلَةَ بِغَصْبِ الْحُرِّ، وَفِيهِ خِلَافٌ فِي ضَمَانِهِ بِالْغَصْبِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ اتَّخَذَهُ مَسْكَنًا أَوْ مَخْزَنًا وَنَحْوَ ذَلِكَ أَنَّهُ يَضْمَنُ كَمَا نَقُولُ فِي الْحُرِّ: إذَا اسْتَعْمَلَهُ كُرْهًا، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ أَنَّهُ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِحِفْظِ الْغَنِيمَةِ وَرَكِبَ دَابَّةً مِنْهَا أَوْ دَابَّةً مِنْ الْجَيْشِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَتُهَا.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ وَجِيهُ الدِّينِ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ: لَوْ غَصَبَهُ وَاِتَّخَذَهُ مَسْكَنًا وَانْهَدَمَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَالْحُرِّ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ الْقَوْلَ بِعَدَمِ صِحَّةِ صَلَاتِهِ قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ: إنَّ الْمَسْجِدَ لَوْ تَلِفَ فِي مُدَّةِ مَنْعِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهُ فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ الْمَسْجِدُ عَقَارٌ مِنْ الْعَقَارِ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ إجْمَاعًا وَيُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْعَقَارَ يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَمَنْ لَمْ يُضَمِّنْهُ بِالْغَصْبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute